الوحدة 19-9-2021
يُقال أن البشر شياطين في هذه الأرض، هذه المقولة يمكن أن تنطبق على من يتلاعب بمشاعر وتعب الآخرين، غير آبهٍ بذلك العرق الذي لوّن بالظّلم حياة الكثيرين، من خلال قرارات غير مدروسة.
قبل أن تتحرّك عجلة موسم الحمضيات، حيث يتوسّم الفلاحون من خيرها الشيء الكثير، تم وضع العصي الغليظة بين عجلاتها، كما تم تثبيت عبوة ناسفة بين أكتاف ذلك الفلاح الذي تفنّنت الحياة بشقائه مقدّماً جُل خدماته لشجرة الليمون سواء كانت غزيرة الإنتاج أم فقيرة، من خلال تقديم السماد الغالي جداً على قلوب وجيوب المزارعين، بالإضافة إلى عمليات التقليم ذات الأجور المرتفعة ومبيد الأعشاب الذي لا بُد من حضوره بين تلك الأشجار الكثيفة لإبعاد وقتل الأعشاب الطفيلية ليتثنّى رؤية مياه الري التي أرهقت الجميع هذا العام بسبب وصول السدود إلى مناسيب مخيفة، والقيام بعمليات التقنين على كامل الحيازات الزراعية.. وعَود على بدء وقصّة العصي والعجلات، فقد تم تقييد مزارعي الحمضيات وتبديد أحلامهم من خلال فرض مبلغ ٥ ملايين ليرة يتم إيداعها بخزائن المصرف المركزي وذلك عن كل سيارة شحن حمضيات إلى خارج البلاد، وطبعاً هذا المبلغ سيتم استرداده لاحقاً، وهذا الأمر لاقى صدى التريث والتراجع بالنسبة للتجار السائرين وشاحناتهم بالمجهول على حدّ زعمهم، أمّا الوجع الحقيقي فقد تلقاه المزارع، الخاسر الوحيد، حيث سيتحمّل تبِعات هذا القرار وانعكاساته إذا لم يتم تعديله أو إلغاؤه، وعلى أساسه يتم الآن شحن الليمون الماير بسعر أقل من ٥٠٠ ليرة، بعد كل هذا العناء، بعيداً عن تبعات أجور القِطاف والنقل وتوفير المازوت والتي جميعها تصبّ في مصلحة التاجر على حساب الفلاح المسكين.
ومما سبق يدفعنا لإجراء مقارنة بسيطة بين حبّتي الليمون والزيتون، سواء من حيث السعر أو عناء القِطاف، وكذلك الخدمات المقدّمة، فسعر زيت الزيتون يختال ضاحكاً بين النجوم، وقد تعدّت صفيحته منذ مدة لما فوق ٢٠٠ ألف ليرة ولا زال في طور الصُعود، علماً أنّ عملية جنيه قاسية إلى حدّ ما عكس عمليات قِطاف الحمضيات السريعة والسهلة، وقد تجلّت عظمة الحمضيات خلال السنتين الماضيتين زمن الهجوم العنيف لوباء العصر، وتهافت جميع دول العالم وخاصة دول الخليج العربي والعراق لتأمينه بكافة الوسائل، ليكون المادة الرئيسية على سفرهم العامرة، الأمر الذي أنعش جيوب بعض المزارعين من خلال السماح بشحنه، فقد صُنّفت الحمضيات كالمصل بالنسبة (للكورونا) لغناه بفيتامين سي، وهي مادة مغذّية تقوي الجهاز المناعي واحتوائه على كميات جيدة من المعادن والفيتامينات الأخرى التي يحتاجها الجسم ليعمل بشكل صحيح، بالإضافة إلى غِناه بالمركبات النباتية التي تعتبر مُضادة للأكسدة والالتهابات.
اعترافات فلاح يمتلك كلا المحصولين فقال: إن عملية مرش كيلو واحد من الزيتون يستغرق حوالي الربع ساعة، غير أن الكيلو الواحد من الليمون يُقطف برمشة عين، كما أن شجرة الحمضيات بحاجة إلى تقليم دائم بوضعية القرفصاء بسبب جزعها القصير وأغصانها المتدلية، عكس شجرة الزيتون الحراجية التي تتحمّل التقليم لسنين، وهي عالية يمكن الوقوف تحتها بسهولة وتعليق المراجيح، وخاصة إذا كانت الشجرة معمّرة، كما أن الحمضيات تحتاج ثمارها لعدّة عمليات ري، عكس الزيتون الذي لا يحتاج إليها أغلب الأحيان، ويضيف كل شيء بحاجة إلى التعب والكدّ، فجني الزيتون يُعتبر من الأعمال المُجهدة والشاقّة وهو بحاجة لورشة عمل كبيرة تُهيمن على حباته الصغيرة، أمّا الليمون فقطافه سهل وأدوات جنيه من أجور قِطاف وأدوية وعبوات ونقل تُرهق الكاهل، فهو يتقاسم وصاحبه الربح، حيث يأتي التاجر الذي يستغل حاجتنا لتغطية بعض مصاريفنا المتضمّنة مونة الشتاء، وخوفنا من ذهاب المحصول باتجاه الأودية إذا وقعت الواقعة وشرّفتنا عاصفة ليست بحسباننا، فصاحب الحاجة أرعن ونحن مضطرون لذلك التعامل غير المنصف، وهنا تثبت مقولة (في التفاصيل يكمن الشيطان).
سليمان حسين