اللاأخلاقية في الأدب والفن

الوحدة: 8- 9- 2021

 

المبدعون إشراقة نور في فضاء العالم، إبداعهم طريق ونهج للمستقبل من خلال غابات المشاعر والأحلام والرموز والإلهام وإشارات الاستفهام، يتصدون لبناء معمارية الإنسان للسمو بالطبيعة الإنسانية وإعادة تشكيلها بشكل أكثر رقياً… فهل هناك عمل أدبي أو فني يمكن وصفه بأنّه غير أخلاقي أو ينافي الأخلاق وكاتبه غير أخلاقي والتهمة الموجهة لإبداعه هي اللاأخلاقية؟!

الأحكام الأخلاقية لا يمكن إطلاقها جزافاً في الأدب والفن ويجب خضوعها لمعايير نقدية وقيمية دقيقة، وليس لنا أن نطالب الأديب أو الفنان بأكثر من أن يكون صادقاً بالتعبير عما يحسه ويراه، والأعمال الإبداعية التي تعكس الجوانب السلبية المظلمة من الحياة ما هي إلا آهات متفجرة من الأعماق تعلن عن أزمة الضمير التي يعيشها الكاتب تجاه الواقع الموشى بالجراح، وليس له سوى الإشارة بقلمه إلى موضع الجرح، والأديب أو الفنان وهو يتحسس طريقه لخلق عمل إبداعي جديد حر في اختيار الطريق الذي يسلكه، ومهما تعالت فورته أو ثورته أو رفضه فلن يكون أكثر من خفقة متمردة الهدف منها كشف الزيف أو إنارة زاوية معتمة، وهذا موقف أخلاقي بحد ذاته.

إن كل ما يرفع من شأن الإنسان هو شيء أخلاقي، وما يهمشه ولا يعيره انتباهاً هو لا أخلاقي، فالإبداع الأدبي مرآة تعكس أحداث الحياة بمفاهيمها وآرائها المختلفة، إبداع يقرأ الراهن الاجتماعي بما له وما عليه مثلما تتنبأ الأرصاد الجوية بسطوع الشمس أو هبوب الريح أو سقوط المطر وحركة الموج، وكل عمل لا يكشف جزءاً من الوجود ما يزال مجهولاً هو عمل لا أخلاقي.

يعمد المبدع إلى تصوير الزوايا المعتمة من حياة المجتمع كي يقدم لنا بشكل غير مباشر الوجه الآخر للصورة، يضع أمامنا الوجه السلبي ويترك لنا حرية اكتشاف الوجه الإيجابي محاولاً زرع الابتسامة الممزوجة برؤية انتقادية للمجتمع وفضح الشخصيات الشريرة والتعاطف مع الضحايا والأعباء التي ترهق كاهل الذين يمارسون الحياة برغم ما فيها من المرارة والآلام، وكما قال بلزاك: (وراء التصوير الواقعي للشر غاية خلقية).

اللاأخلاقية تعني مناهضة الأخلاق أو مناقضتها ورفض القيم الاجتماعية السائدة، والأديب اللاأخلاقي يعاني اعوجاجاً في الشخصية والسلوك، صاحب ضمير مقفر وكوابيس يعيشها في رأيه ورؤياه ونصوصه تشبه العمل الشرس ضد المجتمع من خلال تدمير الأخلاق والقيم وبث الانحطاط النفسي والجسدي وتزييف الحقائق والضرب بأخلاق ونواميس المجتمع عرض الحائط يغوص ويغرق في تناقضات صارخة ويكتب كلمات بلهاء يتصورها مليئة بالحكمة والمنطق تنوس بين الضراوة والتخاذل، والتجبر وتصاغر النفس ذلاً ومهانة، وازدراء الآخرين وتدني احترام الذات وبين الطموح الشاهق والانحدار الساحق.

يكون العمل الإبداعي غير أخلاقي عندما لا يقدم فائدة للإنسان والمجتمع، وعليه أن يحطم الهدوء والدلال ويبتعد عن المهادنة التي لا تقول شيئاً وتجنب الغوغائية والتقريح والإدانة الحمقاء للسير نحو مناطق جديدة غير مأهولة من الحياة تليق به.

 نعمان إبراهيم حميشة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار