الوحدة 30-8-2021
تناثرت شظايا الزّجاج على الأرض إثر تحطّم النّافذة، سمع والد نبيل الصوت، وسار مسرعاً من مكتبه إلى نافذة غرفة المعيشة.. وقف ولده ذو الثّمانية أعوام خارج الغرفة وعلى وجهه نظرة تنمّ عن الذّهول والخوف! وكانت كرة القدم ملقاة على أرضيّة غرفة المعيشة..
سأله والده: هل عرفت الآن، أن لعب كرة القدم ممنوع أمام المنزل؟
قال نبيل، وهو ينظر إلى الأرض: أعلم يا أبي، وقد كنتُ حريصاً جداً..
فردّ أبوه بحزمٍ: لا يا نبيل، لم تكن حريصاً، وإنّما كان عليك أن تحسب حساب المسافة البعيدة عن المنزل..
فقال نبيل، وهو يتمنّى إنهاء المناقشة: آسف يا أبي..
فنظر إليه الأب نظرةً جادّةً، وقال: حسناً، لنحسب أوّلاً تكلفة إصلاح النّافذة، وعندئذٍ نستطيع معرفة ما ستستغرقه من وقتٍ لتَدَّخِر من مصروفك الشخصيّ كي تدفع ثمن إصلاحها..
استوعب نبيل الكلمات ولكن ببطءٍ.. حيث أدركَ عواقِبَ خَطئِه.
ولاحظ والده أنّ كاهل ابنه مُثْقَلٌ بالمسؤوليّة، فراح يعترف لابنه أنه وبينما كان يتذكّر ماضيه، قائلاً: أتعلَم يا بني، لقد أجبرني جدّك على أنْ أدفع تكلفة إحدى النّوافذ التي كسرتُها، عندما كنتُ في مثلِ عمرك بالفعل.
فأجابه نبيل، باهتمامٍ: هل هذا صحيح يا أبي؟
ثم أضاف والده قائلاً: نعم، وقد استغرق منّي ذلك وقتاً طويلاً أيضاً، وأؤكد لك أننّي لم أكسر أيّ نافذة أخرى بعد ذلك، والآن يا بُني تعاون معي، اذهبْ واحضر فرشاة التّنظيف وسلّة المهملات، لنتخلّص من هذا الحطام الزّجاجي..
لذا عندما ننتقد أطفالنا، فإنّ هدفنا في الغالب يكون تشجيعهم على التصرّف والظهور بشكلٍ أفضل وصحيح.. فربمّا تكون هذه هي الطريقة التي علّمنا آباؤنا عندما كنّا أطفالاً، ولكن الأطفال “وخاصة منهم الذين لم يسلكوا درب النضج الواعي بعد”، لا يعدّون الانتقاد وسيلة للتشجيع، ففي الغالب ينظر الطفل للانتقاد على أنّه هجوم شخصيّ ممّا يجعله يتّخذ موقفاً دفاعيّاً بدلاً من أنْ يكونَ متعاوناً، ومن المهم جداً أنْ ندرك أنّ الأطفال الصغار يصعب عليهم أنْ يفهموا أنّ سلوكهم هو المرفوض وليس شخصهم.
إلّا أنّه من الممكن أنْ نستمرّ في إخبار أطفالنا بأنّنا لا نحبّ ما يفعلونه، فنحنُ إذا أخذنا الوقت الكافي في التّفكير في وقع كلماتنا، فإنّنا نستطيع أنْ نقول ما نحتاج قوله دون أن نقلّل من إحساس الطفل بذاته، وبغضّ النّظر عمّا حدث، فإنّنا نستطيع أنْ نجعله يعلم أنّه طفلٌ صالحٌ، وأنْ ما فعله لا أكثر من دروسٍ هي بداية طريق الحياة!!.
سها أحمد علي