الوحدة : 29-8-2021
إذا كانت الإنجازات العلمية والثقافية هي من مكونات التطور الحضاري عبر تاريخ سار بالبشرية إلى ما وصلنا إليه في يومنا هذا، وكانت لهذا التطور أنماطه التي تغيرت بمجموعة عوامل وظروف طبيعية إنسانية كالتي تحيط بنظم العيش بما تحتويه من أوضاع اقتصادية وعوامل اجتماعية تؤطرها أنظمة الحكم، فالانتقال من المجتمع الزراعي إلى الصناعي واختراع الآلة سار بالتطور المتغير الذي كان يقاس قديماً بملايين السنين ويضيق مع الحركة البشرية والقفزات الحضارية إلى مراحل متناقصة جداً صارت تحسب باليوم وبالساعات جعل الكثير يعاني من عدم قدرته على فهمه ومجاراته واللحاق به.
ولعل التطور التكنولوجي الحاصل في القرنين العشرين والواحد والعشرين قلب المعادلات الحياتية و أنظمتها من نطاقها الأضيق أي الأسرة إلى أوسعها في المدى العالمي للقارات والدول فيها، عكس هذا التطور، أثرت على الحياة حين تقولبت فيها، من هذه النظم انتشار وتخزين المعلومات وبحجوم هائلة عبر بوابات إلكترونية تتيح لمريديها تفحصها وقراءتها وطباعتها وإرسالها بدقائق وربما بثوانٍ.
القراءة الإلكترونية واحدة من أنماط التلقي، حيث اختصرت أمكنة المكتبات ووفرت الورق لتتموضع على حافظات إلكترونية تسمى بالذاكرة تصل سعاتها إلى ما يفوق قدرة العقل البشري على تصوره، وصار الإنتاج البشري يحافظ عليها ليتيح للجميع في أصقاع الأرض الحصول عليها بيسر وسهولة، لكن هذا التسارع الإلكتروني المذهل خلق فجوة بين الاعتياد والرغبة والأنماط المتبعة في القراءة، فالبعض من دول أو جماعات أو أفراد مازال يؤمن بالإنتاج المطبوع وبروح التعامل معه حيث تباينت الإحصائيات العالمية الأخيرة التي تدل على الاستبشار والتململ منها فمثلاً:
أغلب القرّاء في الصين يشترون كتبهم إلكترونية بينما لم تزل الأغلبية الساحقة من الألمان تعتمد على الكتاب الورقي كما أن الهند أقل دول العالم اهتماماً بالكتاب الإلكتروني! تليها فرنسا ثم ألمانيا, حيث يركّز الشرق الآسيوي على الاستفادة من أقصى ما تقدّمه التقنية الحديثة.
وبالحصيلة في هذه الإحصائيات نجد أن حصّة الكتاب الإلكتروني اليوم تعادل 27% من سوق الكتاب العالمية، مقارنة بـ39 % للكتاب المطبوع. هذه النسبة الأخيرة تنخفض باستمرار، إذ كانت تعادل 45% سنة 2017. وعلى نقيض الكتاب المطبوع، تنمو حصّة الكتاب الإلكتروني بنسبة 20% سنوياً بسبب تزايد سعة انتشار الأجهزة المحمولة، وبسبب تنامي عادة الاستماع إلى الكتب الصوتية الرقمية.
وفي وقت تتسارع الاختراعات مع توالي الثواني، يبقى حالياً الجدل الدائر بين القراءة الورقية أو الالكترونية دون التنبؤ بما سيؤول إليه الحال رغم تأكيدات غالبية المحللين على غياب الكتاب الورقي واندثاره.
بين هذين الحالين يبقى السؤال إلى من ستميل الكفة، ولو أني من أنصار الكتاب الورقي لعلاقته العضوية مع الحواس وما تتركه من أثر وجداني.
الرغبة حيادية بالنسبة للتطور، وما عساه يؤطرنا مستقبلاً لا نزال نترقب شكل حدوثه وآلياته.
سلمى حلوم