إبداعٌ في سبر الرّواية.. ورشة نهج للكتابة الإبداعية مع الحرّ غزال

العدد: 9312

14-3-2019

 

عندما تستيقظ الروح وتعانق السطور، يتماهى حبر مع نبض القلب، ويتدفق بوح من كلام، يغدو لدروبه مسارات، تصور، تخطّ، وتنشد، ليرتسم على جدران الأيام عنوان قد يشبهنا تارة، وقد يختلف تارة أخرى، وعندما تصطف العناوين وتتراصّ، ترسم صورتنا الحقيقية، ونكون نحن بأثواب مختلفة.

 

الأدب وعناوينه هو ترجمة قد تطول أو تقصر، تعلق على مفترق زمني أو مكاني، تترك على مسافاتها أشخاص الحياة، أشخاصاً بصموا بعض الملامح إن لم يكن جلّها.
(ورشة نهج للكتابة الإبداعية) أو (ورشة نهج الإبداعية للكتابة السردية)، عمل فكري يقوم به الأديب الحرّ غزال وهو ابن هذه البيئة الأدبية وفاعل فيها، صدرت له روايتان هما (ملأت فراغاً – فاتحة العصيان ) ومجموعة شعرية بعنوان (الخبر) كما له العديد من المقالات والمواضيع والمنشورات الأدبية والتحليلية, وقد قام مؤخراً بافتتاح ورشة للكتابة الإبداعية السردية ضمت عدداً كبيراً من المهتمين في هذا المجال، في هذه الورشة يحاول العمل على استنباط الكتّاب المبتدئين، وسبر أغوار الهواية والإبداع في مجال القصة أو الرواية، يناقش فيها الكثير من الأعمال الروائية والقصصية بكل أنواعها الرومانسية، والفانتازيا والرعب وحتى الخيال العلمي، وأيضاً دراسة السيَر الموجزة لشخصيات حقيقية أو افتراضية بكامل انفعالاتها وتجاذباتها، مع ذاتها والوسط الخارجي والحياة.
هو جهدٌ حثيثٌ لحبر غائر قد يحمل معه حلماً من إبداع احتمالية قد يكون صداها حقيقة قيمة..
حول هذه الورشة وأهمية ما تقوم به في عالم من الرأسمالية التي رمت بالأهواء والأمزجة على شواطئ غريبة جداً، وأنتجت رواية من قيم قولبت المفاهيم بطريقة ما عجيبة أو قريبة, إنما هو بعدٌ آخر لنا يشكل ظلالنا على خطوط الطول والعرض, وفي بعض الأحيان قد تعيد بوصلة الأدب إلى مكانها، هذه الورشة قد تكون حلماً للعودة إلى صدق الرواية وتطلعاتها، واختصار الدرب إلى الذات، ولأهمية القراءة والعمل ضمن هذه الجوانب كان لابد لنا من حوار مع الحرّ غزال المؤسس والمشرف على هذه الورشة الفاعلة..
× ورشة نهج للكتابة الإبداعية كفكرة متى بدأت وكيف تبلورت لتصل إلى تحقيقها؟
×× بدأت كما بدأت مع جميع من كتب، يريد أن يعرف: هل ما يكتبه يعدّ إبداعاً؟ هل ما يكتبه شعر؟ أو أن ما يكتبه يسمى قصة قصيرة إن كان سارداً، ويصعب هنا أن تجد من يدلّك أو يرشدك أو يأخذ بيدك، لذلك انتقلت قراءاتي من ماذا يكتب هذا الكاتب أو ذاك؟ إلى كيف يكتب؟ وبدأت بوضع ملاحظات على الهوامش، كنت أقرأ العمل أكثر من مرة أو لا أكمل قراءته أصلاً، ثم جمعت هذه الملاحظات مع تراكم الخبرة، والنصائح المتبادلة لتصبح نهجاً بعد معرفة كلمة السرّ في الكتابة السردية.
× ما معنى الكتابة الإبداعية لتنحو نحو نهجٍ يدرّس؟
×× يُصنف الأدب إبداعاً إذا لم يُنسج على منوال سابق، ومنهم من جعل الأدب من الفنون لأنه إبداع ولم يجعله مع العلم، على أساس أن الفرق بين الفن والعلم أن العلم فيه نتائج ونظريات يمكن نقلها ممن سبق من العلماء، أما الفن فليس كذلك، لكن الأدب نقل بعض تجاربه من جيل إلى جيل، الشعر القديم مثلاً نقل الفراهيدي بحوره، لكن معرفة هذه البحور لا تجعل الكلام الموزون المقفّى إبداعاً، وهذه المعرفة قد تكفي لكتابة القصائد أو نظمها، لكنها لا تكفي للشعر الذي يحمل أشياء أخرى غير النظم.
× ما المدة وكيف توزعت الجلسات وما عدد الدورات؟
×× المدة زمنياً من شهرين إلى ثلاثة أشهر، وهي تحتوي عشر جلسات إلى اثنتي عشرة جلسة بمعدل جلسة في الأسبوع.
× من هم أفراد المجموعة وما هي شروط الانضمام والتسجيل؟
×× العدد المثالي عشرة أشخاص حتى تكون المتابعة دقيقة، أما شروط الانضمام فلا يوجد شرط إلا الرغبة في الكتابة، وهو شرط لازم وكاف في الكتابة السردية.
× الكتابة الإبداعية جزء من عالم مبدع، والإبداع يحتاج إلى فضاءات تخلقه، هل نحن في جوّ ملائم لخلق حالة إبداعية ما؟
×× إشكالية هذا السؤال تتعلق بالمرحلة التي يجب أن نبدأ منها، لنقل مثلاً في الشتاء تبدو الشجرة دون أوراق وفي جو غير ملائم للإزهار والإثمار، لكن هل هذا يعني أنها توقفت عن الحياة؟ إذا أردنا أن نعرف الحيوية الإبداعية علينا أن نقارنها مع ظروفها الطبيعية، ومع ذلك إذا قارنّا جميع مفاصل العملية الإبداعية الآن مع ما كنا نعيشه (إذا كانت حالة طبيعية)، ولنسأل: هل توقفت الكتابة؟ هل تراجع النشر؟ .. سنجد العكس، وربما زاد الانتشار بسبب وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع مما يعني أننا كسبنا قراءً جدداً بينما نسبة القراءة كانت (في الحالة الطبيعية) غير مشجعة، أريد أن أقول نحن علينا الإبداع أما باقي المفاصل فهذا أمر يحتاج إلى مؤسسات.
× نهج الكتابة الإبداعية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقراءة، والقراءة في عالمنا العربي غائبة عن أنماط حياتنا، كيف يقارب نهج الكتابة الإبداعية مع هذا الواقع المؤلم؟
×× فعلاً القراءة ليست من أولويات مجتمعنا، وهي حالة لحسن حظّنا لها إيجابيات، خاصة أن المجتمع تحكمه ذهنيات وعقليات لا تعترف بالإبداع ولا تعطيه حيزاً، مما يجعل الكتابة عالماً آخر له سكانه ورواده ومواطنوه، لذلك عندما تسألين عن المجتمع المتطور الذي قال سابقاً (يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره) أين هو؟ ستجدينه في هؤلاء القرّاء الذين قد يقل عددهم أو يكثر، لكن تبقى نسبتهم ثابتة، والقراءة تبقى عندهم من الأولويات سواء عزف الناس عنها أم أصبحت موضة وموجة.
× الأزمة في سورية خلقت قراءات جديدة غريبة ومفاجئة ومؤلمة كيف تترجمون هذا في عالم السرد والكتابة؟
×× صدرت عدة كتب عن الأحداث الجارية وعبّرت عنها، ومنها مجموعة (خبر) التي أصدرتها في عام 2014، لذلك وبعد تلك التجربة صرت ميالاً إلى إحصاء الأضرار بعد انتهاء العاصفة لا أثناء هبوبها، لأن الكتابات ستبقى محدودة إما من جهة النظرة وكيف نزن الأمور، أو من جهة النتائج، بينما لا يُسمح للكتّاب خاصة الأدباء أن يعيدوا إصدار كتبهم منقّحة، ويسمح بذلك لغيرهم من الكتّاب، هذا يعني أن ما تكتبه هو كالرصاصة لا تعود ولا تسترجع وغير قابلة للتدوير، ومع ذلك تبقى الحاجة للتعبير في الأدب أهم المراجع التاريخية كما قيل إن (الشعر ديوان العرب) تلك العبارة التي عدلها حنا مينه إلى (الرواية ديوان العرب)، في الحالتين الأدب ديوان العرب وفيه ما صدر وما ورد عنهم.
× برأيك عندما يسطر القلم ذاته متى يقترب من الروح ومتى يبتعد؟
×× عندما وضعوا (الإمتاع والإقناع) كجناحين للإبداع، كانوا يقصدون أن الأمور التقنية يمكن أن تحقق الإقناع لكنها لوحدها لا تكفي بل تحتاج إلى الروحية التي تحقق المتعة، في الكتابة السردية تحديداً نحتاج إلى هذين الجناحين، ليس فقط (ماذا نقول)، بل كيف نقول.
× ما المأمول والطموح لهذا النهج؟
×× المأمول كثير والطموح كبير، منها أن تصل هذه الورشة إلى كل الإمكانيات في الكتابة على الأقل في اللاذقية والساحل، وأن تنتشر في الشام وسورية ككل، و هذا لوحده طموح إيجابي يحتاج لدعم اجتماعي أولاً، أي أن يعترف المجتمع بضرورة الإبداع والحاجة للإبداع بما يوازي الإبداع العلمي، لأنه يُفصح عن مكنونات النفس السورية التي فيها كل الحق والخير والجمال، ولأنه يعبّر عن الحياة فيها وعن المفاهيم الروحية الماثلة في جهادها من أجل قيمها، ثم يحتاج لدعم مؤسساتي، عندما تدرك هذه المؤسسات أن الإبداع ظاهرة اجتماعية وليس حالة أفراد هنا وهناك.

سلمى حلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار