الوحدة 18-7-2021
يقولون إن الخضار غالية الثمن، والسوق نار، لكن لا يعلمون بأن المزارع يدفع العشرة ليأخذ الواحد وتنقص التسعة بالتكلفة وربما أكثر، لكن حب الأرض يتملك المزارع، والشغف يتفشى برائحتها, كما أن العيد لجميع الناس من موظفين وعاملين وغيرهم لكن المزارع لا يمكنه أن يترك زرعه يوماً واحداً في هذا الحر ولو جاء العيد, فهو غض وطري العود كما الطفل الرضيع يحتاج للرعاية والاهتمام ليزهر ويتفتح.
هذا ما كان في حديث السيد أسامة، متقاعد من مؤسسة العمران، ويعمل في أرض ورثها عن والده, تقاعد باكراً ظناً منه أن الأرض تأتي له ولأسرته بمردود جيد يحسن من معيشتهم، وخاصة أن لديه ولدين بالجامعة، ويحتاجان لمصروف وافر بأجور مواصلات ولوازم جامعية، وربما سندويشة لدوام طويل، لكن الحساب على البيدر لم ينتج ما ظنه، رغم أنه يقضي معظم أيامه بل كلها بالأرض وحتى بالعيد، وكلما طلبت زوجته وأولاده (التي تقول إن الأرض ضرتها) مرافقتهم لصيف أو عطلة يرفض ويقول (والأرض) فالزرع القائم يحتاج لكثير من الشغل ولا ينتهي من قبل طلوع الشمس وحتى مغيبها, كما لا تنتهي التكاليف فإن حاول التوفير فيها والانتقاص منها هلك الموسم ولا يأتي أكله, وإن زاد فيها تحسن إنتاجه لكن زاد الدين والحساب في الدكاكين, فما يأخذه باليمين يدفعه باليسار، حيث قال: حراثة دونم من الأرض 20ألف ليرة وتحتاج لزراعتها ضعفين كما يأتي بعدها تخطيط الأرض وشراء البذار فبذرة واحدة بمئة ليرة وما فوق، وبعد زرعها لتنبت تحتاج للسماد والكيس ب125 ألف ليرة لكن بسبب فقدانه من السوق عوضته بروث البقر والكيس منه ب12 ألف ليرة، كما أن أمراض النباتات وشتول الخضار كثيرة وهو ما نحتاج لرشها بالمبيدات وسعر العبوة بالميلليترات منه اليوم ب85 ألف ليرة وقد كنت بالعام الفائت أشتريها ب8 آلاف ليرة، واشتريت هذا الصيف أنابيب التنقيط بطول 600 متر ب400 ألف ليرة و(غطاس) للبئر الارتوازي ب600ألف ليرة، فخط الري الرابع بوطى بيت ناصر (المسقى) معطل منذ أكثر من ثلاث سنوات ولم يصلح إلى اليوم مع أننا رفعنا شكوانا مئات المرات لمدير الري ولم تجدِ نفعاً وكل هذا وندفع الرسوم إلزاماً، ولأجل ذلك أيضاً جيراني بالأرض ومعظم الفلاحين اليوم لم يزرعوا أراضيهم لتبور، حتى أشجار الليمون تموت من العطش، قطعت شجر الليمون الذي نصبته مع والدي منذ عشرات السنوات، وحاول بعضهم التماس الأمل باستئجار بئر ولو من بعيد فكان عليه أن يدفع مليون ليرة, فهل سيأتيه من زراعة الخضار أو البطاطا الحلوة هذا المبلغ؟ فالأفضل له أن يحجم عن الزراعة ويركن في البيت، فكما ترين لا يوجد أحد من جيران أرضي وأشعر بالوحشة والوحدة فقد كنا نجتمع ونشرب القهوة والمتة كلما انقطعت الكهرباء، وما أكثر ذلك اليوم تأتي نصف ساعة أو ساعة بالنهار وأرضي بعيدة عن البيت أقصدها على الدراجة النارية التي تحتاج للبنزين وسعر الليتر يصل ل(4-5) آلاف ليرة (حر) وهو ما يرغمني على النوم بالأرض كلما شعرت بالتعب، آتي من الساعة الخامسة صباحاً وحتى التاسعة مساء ولا أمل, ربما أصادف الكهرباء بالأرض لأشغل الدينامو والغطاس وأروي الزرع فيكون يوم السعد، أو أنتظر ساعات وساعات لتأتي الكهرباء فأقفز من مكاني وحتى إن كنت منصباً على الطعام أو غرقاناً بقيلولة ونوم لأجري إلى الجد والشغل, الزراعة أعمال شاقة وتزيد اليوم من أتعابها (كهرباء, ري, تكلفة سماد وحراثة ومبيدات و..) لكنه العشق للأرض بأيام العيد وغيرها وبغير حساب.
هدى سلوم