حكاية عربية…

الوحدة: 14- 7- 2021

 

يحكى أن شيخ قبيلة كبيرة تسكن إحدى واحات الصحراء خرج يوماً إلى الصيد، وعند عودته من رحلته التي استمرت أكثر من أسبوع، استقبله وجهاء القبيلة مرحبين مؤهلين، شيخ القبيلة عاد من الصيد برفقة العديد والعدة مسربلاً بدرعه المخضبة بدماء فرائسه التي رماها سوء الحظ وإرادة القدر في مواجهة رمحه الثاقب وسهمه الصائب وسيفه البتار، جلس شيخ القبيلة في صدر مضافته مزهواً كالطاووس يكاد مؤخر رأسه يلامس ظهره من كثرة الشموخ، وبدأ يحدث الحضور عن معارك الصيد المظفرة التي خاضها، وعن أخطار الموت التي روضها عارضاً على الجمع فرو الذئب الذي صاده بعد مواجهة، وجلد السبع الذي قتله بعد مناوشة، وأنياب الضبع التي اقتلعها بعد مصارعة، وذنب الثعلب الذي قطعه بعد مراوغة، وريش الصقر الذي قنصه بعد ملاحقة، وأمر بطهي لحوم حمر الوحش التي مزقها بسيفه المصلصل من فوق حصانه السابح العتيق.

جلس القوم يأكلون لحوم الوليمة بشهية، وقام شاعر القبيلة وتلا ما تيسر من قصيد المدح والفخر بشيخ القبيلة البطل الصنديد المغوار، صياد السباع في مرابضها، وقناص الصقور في وكناتها… والحضور يأكلون ويهللون، فاسخ أحناك الضباع وسالخ جلود النمور… والحضور يأكلون ويهللون، الكريم الشهم الأصيل مطعم الجياع وحامي الضياع… والحضور يأكلون ويهللون، صاحب السيف البتار والحصان الذي لا يشق له غبار…والحضور يأكلون ويهللون، وبينما الجمع في شغلهم دخل المضافة رسول من عشيرة الشمال، كان الرجل أشعث، أغبرَ، رث الثياب، حافي القدمين، نحيل الوجه والجسد، قد أخذ منه الجوع والعطش كل مأخذ، استنكر شيخ القبيلة مظهر الرجل، وسأله عما ألمّ به و عشيرة الشمال، فأخبره الرسول بصوته الأجش المتهدج أن قوماً من البرابرة وشذاذ الآفاق أغاروا على مضارب العشيرة، فسلبوها ونهبوها وقتلوا من قتلوا فيها، وشردوا من تبقى منها، واستولوا على أرضها، وهدموا معابدها، وأقاموا حائطاً يتمسحون به باكين زاعمين أن هذه أرضهم وإرث أجدادهم البائدين! نهض شيخ القبيلة عابس الوجه، فاحمّر واخضّر وأرغى وأزبد، ثم شجب واستنكر، ثم هدد وتوعد الأعداء بالويل والثبور، وأمر برسول العشيرة فأحضروا له طبق الطعام والشراب، وقام شاعر القبيلة فأمطر الجمع بأبيات من المديح والفخر بشيخ القبيلة حامي الظعن وسيد النحر والطعن… والحضور يأكلون ويهللون، المحنك الحكيم قاهر الأهوال والجحيم… والحضور يأكلون ويهللون، جابر عثرات الكرام وضارب أعناق اللئام… والحضور يأكلون ويهللون… جلس رسول عشيرة الشمال إلى طبقه وقد سال لعابه وتحفزت نواجذه وأخذ يأكل…ويهلل.

 شروق ديب ضاهر

تصفح المزيد..
آخر الأخبار