الوحدة : 19-6-2021
للخليقة في قوانينها مذاهب رسمتها للبشرية ثنائية آدم وحواء، وكان لهذا الارتباط تداعياته وسماته المختلفة عبر العصور، إلا أن الرابط الأوحد الذي يكلل هذه العلاقة دائماً هو الحب والزواج، هذا المفهوم الروحي الذي خضع وما يزال يخضع لتحديات الأزمان المختلفة والذي طبع هويتها بطوابع عديدة متشابكة ارتبط كثيراً بعناصره الأساسية من المادة ورأس المال حيث أضحى المحرك الأساسي لجميع تفاصيل الحياة، انعكس بدوره على مفهوم الزواج والارتباط بين الرجل والمرأة.
حول هذا المفهوم وتداعياته المختلفة في زمن تنقل البشرية بحروبها، والذي كان لسورية نصيب كبير فيه لتختلف معه القناعات والمفاهيم كحصيلة طبيعية للظروف الضاغطة وبقوة ، فمشاكل الشباب وهمومهم وأحلامهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة جعلت للزواج مفاهيم وقناعات أخرى ليصير الزواج معه مشروعاً اقتصادياً ربحياً يبعد كثيراً عن ارتباطه الروحي والإنساني.
مسرحية (الزواج سنة ٢٠٣٠) التي قدمت على دار الأسد باللاذقية وبالتعاون مع مديرية الثقافة أيام / ١٥ و١٦ و١٧ / من الشهر الجاري تناقش وتطرح هذا الموضوع من وجهة نظر موجعة، وتسلط الضوء على تشتت الرؤى وتداخلها في علاقات هي حصيلة وحاصل لواقع مؤلم ، مسرحية تلامس الجرح بأسلوب كوميدي ساخر أشبه بمن يضحك على نفسه من شدة البكاء، المسرحية من إعداد وإخراج د. محمد بصل وهي مأخوذة عن نص للكاتب الروسي نيكولاي غوغول من عام ١٨٤٨م، قام بأداء الأدوار وبطريقة احترافية متقنة وانسيابية لأداء وحركات وتمثيل، قام بأداء الأدوار كل من (خليل غصن، نضال عديرة، مجد عدنان يونس، زينة عساف، يقين زنيبة، أحمد مشاعل، لمى شدود، إيفا خدوج، يزيد عمرو).
حول هذا العمل والرؤية التي قدم فيه العرض وما يحمله من قيم طروحات لأزمات صاغت هوية الشباب اليوم كان لنا هذه الحوارات مع معدو مخرج العمل وبعض الفنانين الذين قاموا بأداء أدوارهم…
د. محمد بصل
– الزواج مفهوم مرادف للحب، القيمة الإنسانية الأسمى، اين الحب في مسرحية (الزواج سنة ٢٠٣٠) وهل ما شهدناه فيها هو نتيجة ٢٠٢١؟
في هذا العمل نطرح أزمة التحديات التي تقود معها إلى تحولات جذرية على مستوى العالم والانهيارات الاقتصادية في أصقاع الأرض وبدوره التأثير وتأثر المجتمعات بها، وتداعي الأزمات واحدة تلو الأخرى الذي انعكس على إنسان هذا العصر فهي ليست أزمة إنسان بعينه، ولم نرد أن نقدم الزواج بمعناه ومفهومه التقليدي لأنه لا يستدعي تقديم فكرة مسرحية، بل الإضاءة على مشكلة هامة وأساسية في حياتنا لمعالجتها والبحث عن حلول ، فهذه القضية موجودة ليست موجودة في عالمنا العربي أو السوري في كل العالم، لهذا كان اختيار الفكرة ومناقشتها وتقديمها بشكل كراكتيرات وليس بشكلها النمطي، فهذه المسرحية تنتمي إلى عالم الكلاسيك وهي من أهم أعمال المسرح الكلاسيكي فالنص للمؤلف نيكولاي غوغول ألفها عام ١٨٤٨م ، فعندما أريد أن أقدم عملاً من قرنين مضوا وإحضاره لعام ٢٠٢١م فبالتأكيد سأعيد صياغة قراءته وإعادة بنائه.
فالفكرة المطروحة في هذا النص هي فكرة فاعلة ومهمة، وتتشكل عبر العصور بلبوسات مختلفة تصيغها مفردات كل عصر وهذا ما عملنا عليه في رؤية حاضرنا ومآله من خلال ذاك النص.
– ماهي المساحة المتروكة لك كإعداد وإخراج لتطويع نص أجنبي ومقاربته إلى العربية الحالية؟
هذا ما عملنا عليه كل الفترة الماضية، وليس على مستوى النص فقط إنما على مستوى العرض، اعتمدت على أسلوب المسرح الملحمي بإتباع أسلوب مسرح داخل المسرح، وأنا من أنصار هذا المنهج، فنحن نخاطب فيه عقل المتفرج ونحفزه على اتخاذ موقف مما يرى من خلال ما يخلق العمل من صدمات والمساحة هنا للمخرج مفتوحة في إمكانية التحرك بحرية لخدمة النص بنسبة كبيرة لتطويع الفكرة والعمل ومقدرات الممثلين يضاف إليها الإمكانيات المتاحة ، فمثلا في هذا العمل كانت الإمكانيات المادية متواضعة جدا ، فابتدعنا فيه طابع التجريدي الذي يسمح لنا بتلافي أخطائنا، وهنا في هذا النص إلى ينتمي للعصر الذي له سمة الكلاسيكية يجب أن نقدم فيه على المسرح أثاثاً كلاسيكياً يعطي انطباع الفخامة لكن ضعف الإمكانيات حالياً جعلنا نستعيض بمجموعة من الكراسي مع سيناريو قالب كوميدي ساخر لهذا الموضوع بما يخدم الفكرة طبعاً.
– أنت من يقول إن (المسرح حياة )، تقديم العرض بطريقة المسرح ضمن المسرح، وتداخل حياتين كمرآتين، هل يمكن أن نقول تداخل المرايا في هذا المفهوم يطرح قضية بتنا نحتاج أكثر من مرآة لترينا أنفسنا؟
مرآة واحدة تكفي ولكن إذا كانت هذه المرآة مكسرة ومتشظاة، معها تتعدد الأوجه والأشكال والأقنعة وتتعدد الرؤى، نحن بحاجة إلى مرآة دائماً لأن يقف الإنسان أمامها ويطرح تساؤلات وجوده وحياته ومصيره ليجيب على أسئلته الملحة دائماً.
– المسرح السوري وأنت ابن المسرح، ما هو تقييمك للمحتوى الذي قدمه التجربة السورية خلال هذه السنوات وما هو المأمول؟
أنا بطبعي متفائل وما مر علينا في سورية من ظروف قاهرة وقاسية خلال حرب لعينة لسنوات كان ضاغطاً جداً، لكن ومع هذا فنحن كفرقة واحدة قدمنا أكثر من ١٠ أعمال مسرحية فما بالنا بالفرق الأخرى الموجودة في محافظة اللاذقية وبقية المحافظات السورية وفي دمشق العاصمة فعلى الرغم من كل هذه الظروف بقي المسرح يعمل بكل الأصوات الصاخبة في وجه العدو الذي وجه سهامه نحو وجودنا، المسرح يبقى حراً وموجوداً دائماً لأنه ضرورة من ضروريات الحياة، فهو أساس الحياة والحياة هي مسرح.
الفنان نضال عديرة..
– ماهي مقولتك كفنان مسرحي في العمل والدور الذي تلعبه؟
المقولة العامة في هذا العمل تخضع للجو العام بصراعه الدائم، فالشباب يعيش ضمن هذا الجو بصراعاته المختلفة ومنها الزواج الذي تجرد من قيمته العاطفية والإنسانية لينطبع بطابعه المادي، ويحتوي هذا العمل على جرعة من الحنين للزمن الجميل القديم الذي نراه دائماً أحلى لأنه يحمل المشاعر.
– كم استغرق التحضير لهذا العمل وآلية إظهاره بشكله الحالي على المسرح؟
استغرق التحضير لهذا العمل عدة أشهر ، فالنص أجنبي ينتمي إلى الكلاسيك، البداية كانت للدكتور محمد بصل الذي عمل على تطويع الفكرة و مقاربة بيئته مع بيئتنا المحلية ، كما عمل على خلق أنماط من اللعب على آلية إدخال مسرح داخل مسرح بأداء تمثيلي يابس الفكرة والنص بعده الحالي الذي يخدم إيصال الفكرة بقالب مسرحي يحترم عقل المتلقي، ويضاف إليه الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة الذي أنتجت هذا العمل بتقنياته البشرية والفكرية.
الممثلة زينة عساف والتي قامت بدور العروس قالت لنا: دوري في هذا العمل يصور شابة عمرها ٣٩ سنة لم تحظ بفرصة زواج مناسبة نتيجة لظروف حرب قاسية مرت على أسرتها ، والدها التاجر خسر تجارته وتوفي على أثر ذلك بجلطة دماغية، وأخاها سافر إلى ألمانيا وتم الحجز على أملاكهم المنقولة وغير المنقولة، تعيش في البيت مع عمتها وتحلم وتتشوق بفرصة زواج تخلصها من واقعها، الأمر الذي دعاها لتطلب ذلك من الخاطبة في الحي التي تختار لها عدد من الشباب المتقدمين الذين يحملون نفس رؤاها بالنسبة للزواج حين يطمعون بما تملك دون أن يعرفوا حقيقة وضعها المادي و محاولة إخفاء عيوب شكلها، كل هذا يقدم قالب كوميدي تمازج الضحكة فيه الألم، وهذا ما يعيشه الشباب نتيجة وحصيلة للحروب وللضغوط المادية القاهرة.
الممثل يقين زنيبة الذي قال لنا عن دوره: أنا هنا في هذا العمل ألعب دور أحد المتقدمين للزواج بسنة ٢٠٣٠, المسرحية من عصر سابق ومنقولة لعصر 2021, فيها تشريق وتغريب وعمل على كراكتيرات الممثل لتطويع النص الغربي إلى بيئة عربية وهذا ليس بالأمر الهين, فجهود د. محمد بصل كانت جبارة بالعمل على هذا النص وقولبته كمعدّ ومخرج إضافة إلى الممثلين والفنيين وطريقة السينوغرافيا والفانتازيا الموجودة بالعرض, بشكل عام اي مخرج مسرحي مهمته كبيرة في خلق التناغم بين الشخصيات وهنا كان التحدي بتطويع العمل ودمجه ضمن قالب حداثة يقدم كوميديا موقف فهي ليست مسرح شعبي، بل مضمون يحمل قيما إنسانية ملحة دائماً.
سلمى حلوم