الوحدة: 16- 6- 2021
مع كلّ فجرٍ تتلوّن الحياة بأشكال مختلفة من البوح, بوح يوشم على أيامنا أغنية وصورة وتشكيل يصيغ هويتنا, هذا البوح هو حصيلة حراك عفوي يسافر مع عقارب الساعة ويتداور ليجعل للزمن في عبوره صدىً وحكاية في عناوين عديدة تتغير عبر رحلاتها بين القلب والعقل, تتعانق حيناً وتتصارع أهواؤنا في أحيان عديدة… تلك الجدلية الدائمة بأسمائنا وبشغفنا وبالشوق المأمول لصوت يُعلي الصوت, صوت نتوارثه جيل بعد جيل ويحمل على زاده تاريخٌ, هو ذاك النبض الشعبي الذي يقص الحكاية ويسطرها لنكون نحن في الأمس واليوم وغداً…
تلك العفوية بنبضها الحسي والمعرفي هي التي توالدُ من بين دفتيها إبداعا ًيؤسس على ما سبق ويستكشف للاحق الآتي, هذا الشغف الجماهيري يقولب نفسه ويتقولب ضمن ما يسمى بالثقافة والمعرفة رغم كل الظروف التي تهدأ في وقتٍ أو حقبة وتشتد وتتحارب في أوقات أخرى, إلا أن الحركة الثقافية الشعبية تواكب كل الظروف وتتلون معها وتنطبع بطوابعها, قد تعلي صوتها في مطارح أو قد تخبو في أخرى. في سورية بلد الفينيق والحضارة ما زالت تلك العفوية بنبضها تتوالد حتى في أشد الأزمات, فما زالت الحياة هي العنوان الأسمى الذي يشحذ الهمم ويشد السواعد ويبارك للعقل دروبه, ليكون للصوت الحيّ ساحاته ومنابره المختلفة, فخلال السنوات الماضية المؤلمة التي مرت على بلدنا الحبيب سورية, لكفيل أن يخبو معه أي حراك أو ثقافة, لكن الحقيقة المعاشة والمتداولة هو ازدياد الشغف الجماهيري, واستمراره, بل وزاد النبض الثقافي الشعبي بحضوره عبر العديد من الملتقيات والنوادي والمؤسسات والجمعيات والروابط التي تجمعت على اختلاف ألوانها تضمد الجراح وتتكاتف في بوتقة ثقافية واحدة تؤكد هوية المجتمع السوري الأصيل.
ومع ازدياد وقت الحرب على سورية الذي زاد معه الضغوط المفروضة نتيجة الحصار, حيث تأزم الوضع المادي والمعاشي وخلق مجموعة من الأزمات التي تحدّ وتقيد حركة الإنسان فيها إلا أن الملاحظ أن الحركة الثقافية والنتاج الجماهيري الفكري قد زاد وبشكل متسارع في التكاتف والتعاضد وتجميع الطاقات واعتلاء الساحات والمنابر والأندية ضمن مؤسسات الدولة أو خارجها, وبكل أشكال التعبير وإبداء الرأي وتصوير الواقع والطموح بدروبه إلى السلام .
بأسماء مختلفة وعناوين عديدو وكثيرة كانت المواقع والأماكن تجمع هؤلاء, سواء ضمن محافظة واحدة أو ضمن مختلف المحافظات السورية, أو على مواقع التواصل الاجتماعي الذي ساعد بانتشار هذه الفعاليات عبر نقله ومشاركته الجماهيرية.
وإذا كان الأهم فيما كل ما يقال ويصور هو القيمة الثقافية الحقيقة والفعلية بتقديم محتوىً يحترم العقل البشري ويرتقي به, فمن خلال تلك الملتقيات والنوادي والروابط فيما قدمت من أدب بأشكاله من رواية وشعر وقصة أو من خلال الفنون التي طرحت مقولاتها عبر السينما والمسرح والموسيقى والفن التشكيلي أو حتى من خلال النشاطات الاجتماعية المختلفة والمتنوعة , كانت تحاول أن تتميز و تثبت حضوراً فاعلاً لنبض حيوية وحراك ما يسمى بروح المجتمع المدني ولأن الأمور بنتاجها ونتائجها وإذا أردنا تقييم المحتوى نستطيع أن نقول إن الزخم والوفرة بما قُدّم إلا أنه قدْ لا يرقى إلى المستوى المطلوب, مع ظهور بعض الشخصيات الانتهازية والوصولية النرجسية حباً بالظهور والاستفادة, إلا أنه هناك أصوات استثنائية عميقة الرؤى والقيمة وترفع لها القبعة, شأنها شأن المبدعين في كافة مراحل التاريخ والتي كانت تعدّ على الأصابع, وخاصة في هذا الوقت حيث يُحارَب فيه هذا الإنسان بروحه وماله وكرامته, ولعل الضغوط وكما كانت ولّادة للمبدعين في أزمات الزمن فهذه الأصوات السورية الراقية التي نمّقت وأنّقتْ ترتيب حروفها وتشكيل صورها ورقي طرحها في صورة الإبداع السوري في الداخل والخارج لهي الأمل المعقود عليها لترمم وتحاول أن تكامل الوجود السوري مع الحضور الأممي في العالم, وهي الشاهد على أننا أبناء الفينيق الذي مازال يعيش فينا وفي سورية الأبية.
سلمى حلوم