الوحدة : 12-6-2021
المبدعون لا يرحلون، المبدعون لا عمر لهم، لقد أفلتوا من التقويم، المبدعون لا تؤطرهم شهاداتهم أو ثناءاتهم، بل أنهم يتخطون ذلك بالبحث والتقصي الى ما يروي عطشهم بالابتكار المستمر، ليجدوا أنفسهم في عطاء متجدد، سعادتهم هنا بين أعمالهم المتفانية بالجهد المتواصل الذي لا ينضب، إبداعهم يخضع لمعايير وقواعد سامية، ولطالما كان هناك تنافس بروحٍ نقية بعيدة عن الأنانية، وأنَ المبدع أو المتميز بإبداعهِ اليوم، سيحفز الآخر لينافسه في المستقبل القريب، وهكذا يكبر التنافس ويزداد المبدعون.
لكن السائد في بلدانٍ عربية هو العكس، هو طمس المتفوّق لصالح الانتهازي المتسلق! فنكونُ بصددِ تجميدٍ للنبوغِ، حيث إنّ التفوق يتموقع دوماً هناك في البعيد بسببِ شراسةِ أعدائه، فلا يراه أحد ولا دور له في تلك المجتمعات المعادية لنموهِ!
على أنّه يجب الاعتراف أنّ مسيرة المبدعين والمتفوقين كثيراً ما كانت محفوفة بالمضايقات والمصاعب والغيرة.
تاريخُ أغلبِ المبدعين يحكي لنا عن معاناتهم، فهناك ردات فعل مختلفة، فهناك من يرحب بأبداعهم ويحترمه، وهناك من يحاربهم ويحاولُ تغييبهم.
أعرفُ كثيراً من الزملاء والأدباء والأقرباء والباحثين والأطباء وغيرهم، المتميزين في عملهم وعلمهم، والحريصين كل الحرص على أداء مهامهم بأسلوب مبني على تطبيق البراهين والمستجدات الحديثة في مجال علومهم، إضافة إلى الصفات الحسنة ومكارم الأخلاق، إلا أن هناك من حاربوهم في عملهم وتطفلوا عليهم بل وضيقوا عليهم في أماكنهم من خلال قرارات تعسفية، أقل ما يقال عنها إنها تفتقد إلى المهنية الصحيحة مع ارتجالية القرار، هذه المحاربة لأصحاب الإبداع هي جوائز ترضية لمن يحبون أو يدورونَ في فلكهم، أو لأن هذا المبدع لم يقدم له ما يريد من مصالح ما، أو بسبب صغر حجمهم أمام الإبداع.
مع كل ذلك، لا ندري أو لانفهم! لماذا يحارب المبدع بهذا الشكل التعسفي في عالمنا العربي، ونحنُ هنا لا نخصُ فئة دونَ أخرى، لكن متى نقدرهم؟ وهم الذينَ أفنوا حياتهم في البحث والدرس والتعليم وخدمةِ مجتمعاتهم، وفي لحظات معينة ومع سوء التقدير، نطيحُ بهم بكل بساطة ونتنكر لجهودهم وخدماتهم لأسباب وأعذار وحجج واهية وتصرفات كيدية أو أذان مفتوحة للفاشلين، أذان تسمع ولا تحلل ولا تراجع ولا تسأل، ويكونُ المبدعُ ضحية لأمزجة البعض.
في الغرب المبدع تفتح له أبواب التشجيع والدعم المعنوي والمادي، وتتسارع له وسائل الإعلام وتستقبله الجامعات ومراكز الأبحاث، ويحظى باحترام وتقدير،
فالمبدع العربي بنظر البعض، متطلب، مزعج، مُقلق، مشاغب أو متفلسف..
يصابُ المبدعُ بالإحباط، ويتساءل: إذا كانَ تصرفُ المتعلم معه هكذا، فكيف تصرف الجاهل، وقس على ذلك بالسؤال التالي: هل تصرفاتنا السلبية المغلفة بالأنانية تجاه من يعمل بجدٍ واجتهاد وإخلاصٍ وتفانٍ، هي نتاج ثقافة معينة أو تربية أو جهل.
متى نحترم ونتفهم المبدعين بدلاً من خذلانهم، مما يدفع البعض لترك بلادهم والتوجه للغرب، والغرب بأمس الحاجة إلى عقولهم وخبراتهم، وتتسرب الكفاءات ونغضُ الطرف وكأنَ الأمر لا يعنينا.
إن الحفاظ على المبدع من أبناء الوطن، أمرٌ ملزم للجميع، لأن البلاد تنهض وتتقدم وتتطور بمشاركتهم، فلابد أن يكون لهم المكان اللائق، فالخوف على مصالحهم منهم لا طائل له سوى خلق شرخ اجتماعي بين المبدعين ومحيطهم..
تيماء عزيز نصار