شجرة الأمنيات…

الوحدة : 6-6-2021

في بلادنا، وعلى بيادر غاباتنا ودروب جبالنا أماكن لم تطأها قدم إنسان, ولم تلمسها يد التخريب والتلوث, حيث تشعر بسحر يفوق الفوز بتحقيق أمنية وحلم يصعب منالهما, كما السحر في طرف نجم هارب من كبد السماء, فكيف لا يكون فيها استثمار؟

فوق تلك التلال الوادعة أفياء وظلال, حيث يسبح الكون بآيات من الخالق المصور لهذا الجمال, وتسجد على عتباته زهور وتركع عطور وأعشاب, وهناك..  وهناك شجرة وارفة بتلك الخصال محملة بأثقال أماني أناس قصدوا المكان, ولا يعرفها أو يعلم غير أولاد المنطقة والقرية التي تطل على البحر من جهة والنهر الكبير الشمالي من جهة أخرى, فتظن أنك تسبح في الفضاء لتحلق بحلم وتطوف بين وديان وشطآن, فهل تحققت كل تلك الأماني والأحلام لأصحابها؟

سنوات تمرّ وتلك الشجرة واقفة مفردة اليدين تحضنها النظرات وفي الحلق غصة وقد تتسرب بعض الدموع من تلك العيون التي تغفو على أمل وحلم لامسا الأهداب, والأمنيات في ازدياد كقناديل معلقة بالسماء تكسو جسدها صيفاً وشتاء, تراها من بعيد وتظن أنها (جامبو الجبار) ذو الحجم الكبير تمسك بأطراف جبل على طريق مشقيتاـ بيت حليبية  ومشارف قرية صغيرة (نبع الديس) وتصدّ انجراف التربة وتصمد رغم حمولتها الزائدة من الأحلام الوردية فترى مناديل صغيرة ملونة تغلّف حصى وحجارة صغيرة ربطت لتتدلى من أغصانها وفستان طفل ممسك بأوراقها, وصور شبان سافروا وصبايا على خطبة وزواج، وعاشقين هاربين من الواقع والحال.

أذكر يوم قصدتني رفيقتي لسؤال عن تلك الشجرة ولم أكن أعلم  أنها قريبة من ضيعتي (وادي الميم) وألحت عليَّ باللجوء إليها وذهبنا, وفي الطريق سخرت من تفكيرها وطريقتها في الحياة, لكن لما وصلت المكان لا أعلم الشعور الذي تملّكني واقشعر له بدني, رهيب ذاك المكان بسحره الذي يفوق الوصف والخيال, حيث السكون رغم كل الوجود, نقاء وهدوء وضجيج من الجمال الإلهي, نسمات تنعش القلب وترد للميت الروح, وجدنا عاشقين تحت ظلّها وقد أحاطاها بكلتا اليدين المتشابكتين والعيون السابحة بالأحلام, ولم يشعروا بوجودنا فابتعدنا عنهما, وبدأنا التنقيب في كل الجهات وأخذ الصور على الموبايل, وما لبثت صديقتي حتى أفرغت ما في لب محفظتها من مأكولات ومشروبات وكان قد ربط لساننا عن الكلام لننصت لبوح تلك الجنان بأصوات طيورها وهسيس أشيائها وهمس وجودها, فلم نلحظ مرور الوقت وانجلاء شمس النهار مع رحيل العاشقين عن المكان بعد أن أودعا الشجرة أمانة في حلم استقر بنفسيهما, وربطاه على غصن صغير مع آلاف مؤلفة من الأمنيات ربطت على جانبها وخلفها وفوقها.

حاولت أن أوقظ صديقتي أفكها من حلمها الذي أودعته في حضن الشجرة وتدلى في هواء طلق يرفرف بفستان طفل حاكته من الصوف الأزرق وبحجم كف اليد.

واليوم تزورني صديقتي مع طفلها يتم كل سنة في الصيف لأرافقها إلى شجرة الأمنيات وأقضي اليوم معها في تلك الجنان, ويبدو أني نسيت نفسي ولم أربط أمنيتي على الشجرة, وكأني لم أر حصاة بحجم حلمي أو عفوت عنها, أو كأنني رأيتها توصيني أن أخفف عنها من أثقال أمنيات الناس وهمومهم وأحلامهم التي لا تحملها جبال, ولماذا تلك الشجرة حملتها ولم تحملها غيرها؟

أتراه المكان الذي سكنت وتأبطت خيره ليكون الناس فيه كل يوم عطلة وعيد, فإن سألوكم كيف تتحقق الأحلام قولوا لهم أن يعلقوها على شجرة الأمنيات  فعساها أحلامكم محققة.

 هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار