الوحدة: 3-6-2021
منذُ أكثرَ من أربعينَ عاماً، قرَّرتُ أن أكونَ راعياً.
لَبِستُ ثيابَ الرَّعي، وَحَملتُ عَصايَ، ورحتُ أهُشُّ بها قطيعي.
بَدَأتِ النَّاسُ تَنظر إِلَيَّ نظراتِ العطفِ والشَّفَقة:
راعٍّ يَسرحُ ولا قطيعَ أمَامَه!
كانَ اللهُ بعونِه!
لكِنَّني كُنتّ الوحيدَ العارفَ ماذا أرعى؟
في البَرِّيَّةِ وَفي جَوٍّ رَبيعيٍّ، جاءَتني فِكرةٌ مِن أفرادِ قَطيعي، الَّذي تَجاوزَ عَدَدُه الآلافَ، وقالتْ لِي:
نَحنُ أفكارُكَ، وفي رَيعانِ شبابنا، وَتَسرحُ بِنا في هذهِ الأراضي الضَّيِّقَة.
أنتَ تَعبتَ، وَأجهَدتَ نفسكَ حتَّى جِئتَ بِنا وكَبرنا.
دَعنا نَنطلقُ في هذا العالَمِ ، وَنَصولُ ونَجُولُ .
رُبَّمَا نَستطيعُ أنْ نفعلَ ما يُريحُكَ، وَيُشعرُكَ بالسَّعادة.
رَاقَ لي كلامُها، وَأَعجَبني.
استَدعيتُ القطيعَ، وَأمَرتَهُمُ بالانتشارِ بَعيداً، بينَ النَّاسِ وَفي أَيِّ مَكانٍ يَحلو لَهُم، وَلْيَعمَلًوا بِشَرفٍ وَإِخلاصٍ، كَمَا قالَت رَفيقَتَهُنّ.
اتَّفقتُ مَعَهُم، عَلى أَنْ يَعُودَ كُلٌّ مِنهُم، عِندَمَا يَشعُرُ أن مهمته انتهت، وَأَنا سَأَكونُ بالانتِظارِ بَدءاً مِنَ اليوم.
كنتُ يَوميَّاً أزورُ المكانَ، أمَلاً بلقاءِ عَائِدٍ جَديدٍ منهُم، وَلكِن لا أَمَل.
مُنذُ عِدَّةِ سِنواتٍ ذَهبتً إِلى المَكانِ، وَكانتِ المُفاجأةُ المُذهلة!
جَميعُ أفكاريَ عادَت بِتوابيتَ خَشَبِيَّةٍ.
وِمِا زِلتُ مُنذُ سِنينَ، وَأنَا أُدفِنُها تِباعاً.
أَملِكُ قِطعتينِ مِنَ الأَرضِ، وَلَم تَتَّسِعا لِدفنِ تِلكَ الضَّحايا.
مَا قَبلتُ أَن أَتركَ مَا تَبقَّى بِدونِ دفن.
أَملكُ مَبلغاً مِنَ المالِ،
اشْتريتُ بِهِ قِطعةَ أرضٍ جَديدة.
دَفنتُ بِها الباقِيَ، وَلَم يَبقَ مُتَّسعُ لِوافِدٍ جَديد.
الفِكرةُ الوحيدةُ الَّتي وُلِدَت عِنديَ فَجأةً:
لَا مالَ بَقِيَ لَدَيَّ
لَا أَملِكُ أرضاً
بَعدَ مَوتِيَ أَينَ سَأُدْفَن؟
سليمان سليمان