جلسةٌ في مقهى

الوحدة 2-6-2021

 

ولأمسح قلبي من بعض رماده: جلست في مقهى عينه مفتوحة على شارع يفيض ازدحامه عن المألوف، فأتيحت لي فرصة تأمّل المارة والتعرف على أحاديثهم من خلال حركات أيديهم وإيماءات وجوههم، فيصلني بعضها مثل مفاجأة سارة، وبعضها الآخر كتنّور عتيق خبت ناره وانطفأت.

 في المجمل، يكون الكلام والإصغاء متبادلاً وسريعاً، إلا أثناء اجتياز الشارع، حتى ليخيل بأن سواد الإسفلت ينعكس على السيارات والأشياء وبعضاً من زرقة السماء.

 مرّة واحدة ساد الصمت بسبب فتاة تعلّقت ابتسامتها في الهواء، فيما راح الآخرون يتسلقون بسلالم الإعجاب والثناء!

 لقد كانت بجمالها ورقة خضراء كبيرة تغطي قبح شجرة يبس معظمها!!

 اثنان من المارّة لم يفارقا الشارع بمجيئهم وذهابهم، وكأنهما موجتان تتجدّدان على شاطئ.

 في النهاية افترقا على شجار لا لقاء بعده، فكل كلمة كنت أسمعها: تفتح عمقاً جافاً لا يسدّه جريان نهرٍ!

 كم من قصة مخبئة في وجوه هؤلاء المارّة، وقد غفلها أشهر الروّاد؟!

 ما أكثر الباعة الذين ينافسون الازدحام بأصواتهم التي سرعان ما تتلاشى حتى تعود، وكأنّ البيع والشراء ملاكمان يجمعان نقاط الفوز مع نهاية كل جولة.

 هناك من يهرول ويتدفق متعباً صوب بناءٍ قيد الإنشاء، وخلفه أشخاص تبدو عليهم الصرامة والجديّة، ثم علت الضوضاء، ولم تعد عجقة السير بذي بال، وكأنّ المكان قد انطوى بكامله!

لم تلتئم الأحوال إلا بعودة الأشخاص وبصحبتهم ذلك الهارب.

خرجت من المقهى بعد وضعت نهاية بما رأيت، وقد اخترتها من خمس روايات لكنني لم أوفق، ولم أشعر بعدها إلا وأنا محشور مع غريب أطوار أصدح معه أغنية شعبية، وقد رفع كل منا يديه كمروحتين سقفيتين تناطحان حرارة الأربعين درجة، وفي داخلي أقول: لن أقرب مقهىً بعد اليوم.

سمير عوض

تصفح المزيد..
آخر الأخبار