كتب أطفالنا ودفاترهم الممزقة سلوك له دلالاته الاجتماعية والتربوية

الوحدة:11-5-2021

 

مشهد يتكرر سنوياً مع نهاية كل عام دراسي أمام مدارسنا على اختلاف مراحلها العمرية، وهو مشهد الكتب الممزقة والمبعثرة بطريقة تثير الاستغراب والتساؤل عن دلالاته الاجتماعية والنفسية وغاياته التربوية ، مشهد يختزل في طياته تبعات سنوات من العنف والأزمات التي رافقت الحرب الكونية على سورية، دولة وشعباً ومؤسسات وهيئات، واستهدفت المجتمع بكيانه الأساسي (الأسرة) ومكمله التربوي (المدرسة) وصولاً إلى الجهات المسؤولة عن هذين القطاعين الهامين في بناء وتربية ورعاية أجيالنا القادمة وتوجيههم التوجيه الأمثل ليكونوا بحق جيل الغد الذي تقع على عاتقه مسؤولية البناء وإعادة الإعمار في مختلف المجالات. 

فمن بين عدة ظواهر تتم ملاحظتها في مجتمعنا، تستدعي الاهتمام ولفت الأنظار إليها مع تكريس الجهود ووضع الخطط لاحتوائها ودراسة نتائجها على المدى القريب والبعيد، تبرز ظاهرة تمزيق الكتب والدفاتر المدرسية بعد الانتهاء من الامتحانات النهائية ليس كرد فعل سلبي على الضغوط النفسية والجسدية أثناء فترة الامتحانات ولكن كسلوك سلبي بات يطغى على طلبتنا وتلامذتنا ويطبع طريقة تفكيرهم وأسلوب حياتهم بطابعه الخاص من العنف واللامبالاة وانعدام المسؤولية. وللأسف فإننا كثيراً ما نمر أمامها مرور الكرام، كأهل وتربويين.. دون أن نكلف أنفسنا عناء التفكير بأسبابها ونتائجها وآثارها السلبية على سلوك أطفالنا وطريقة تفكيرهم وأسلوب حياتهم… صحيح أنهم من جيل وقع عليه الكثير من الظلم بمعايشته لظروف الحرب وآثارها الاقتصادية والاجتماعية وغيرها حتى بات يدرك الواقع من خلال الصورة الدامغة التي تسيطر على عالمه والتي يستقيها من التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الافتراضية وليس من السهل علينا أن ندعوه لتمثل السلوك السليم والقيم والأخلاق كما كنا نتلقاها في طفولتنا من خبرة وتجارب أهلنا ومدرسينا . وحتى لانفقد السيطرة على هذا الجانب المهم من حياة أطفالنا لا بدّ من طرح السؤال التالي : كيف سنتعامل مع أطفالنا عندما يقومون بهذه التصرفات في ظل واقع ألفوا مشاهد العنف فيه ؟ وعلى هذا التساؤل ، أجابتنا السيدة سناء عبود – مديرة مدرسة قائلة : في ظل الظروف الصعبة التي نواجهها في بلدنا الحبيبة سورية منذ أكثر من عشر سنوات ، لمسنا من خلال الاحتكاك المباشر مع الطلاب المزيد من مظاهر العنف بين الطلاب أنفسهم وكذلك في ردود أفعالهم غير الأخلاقية أحياناً إزاء الكادر التدريسي .. و في نهاية الامتحان أصبحنا نشاهد كماً هائلاً من الأوراق المدرسية الممزقة أمام باب المدرسة، كتب ودفاتر تناثرت هنا وهناك وضاع معها جهد عام كامل من السهر والدراسة.. وحسب رأيي لا مبرر لهذا التصرف سوى عدم الاحترام وقلة الاهتمام إزاء جهد مدرس أو ولي أمر وضع كل رعايته ليقدم المعلومة والمعرفة لهذا الطالب المستهتر وغير المبالي.. وهنا أشدد على تكامل الجهود بين الهيئة التدريسية والأهل لتلافي الثغرات في العملية التربوية أولاً ثم العملية التعليمية ثانياً .. وذلك بزيادة الاهتمام والتوجيه نحو القيم السلوكية الأفضل وتخصيص الوقت الكافي للمناقشة المنطقية بين الطالب من جهة وبين الجهات الأهلية والتربوية من جهة أخرى. .. وحسب رأيي، علينا جميعاً أن نوحد جهودنا لاستيعاب خطورة هذه المرحلة واحتواء تداعياتها بالمزيد من الرعاية والتوجيه ليتمكن أطفالنا من العودة إلى طفولتهم ويحولوا دائرة اهتماماتهم من تمثل العنف وتقليد مشاهده إلى تنمية الهوايات والمواهب الفنية والرياضية والعلمية. بقي للقول : يجب الاعتراف أن محاكاة العنف باتت سمة من سمات هذه المرحلة التي نعيشها ويعيشها جيل المستقبل ولكي نتلافى نتائجها في التأثير على رسم خطوط واقعه ومستقبله فإن الأمر يتطلب منا جميعاً الكثير من التنبه والدراسة والحل بغية تدارك الآثار السلبية لواقع يتعايش معنا ويلازمنا ويفرض نتائجه علينا .. ومن هنا يجب أن نرفع الصوت عالياً لتكون المقترحات والحلول والمعالجة بحجم هذه الظواهر التي بدأت تتغلغل في سلوك أطفالنا وتتجلى في طريقة تفكيرهم وأسلوب حياتهم ، فهي محصلة لكل ما يحيط بهم من بيئة أسرية ومدرسية واجتماعية ولكل ما يشاهدونه على الشاشات بمختلف أنواعها .. فبناء وتربية أجيالنا القادمة مسؤوليتنا ومهمتنا الأساسية ، ولا ينبغي علينا أن نهمل التربة التي سنغرسهم فيها ليبدؤوا مسيرة العطاء ويكونوا بحق جيل الغد الواعد.

فدوى مقوص

تصفح المزيد..
آخر الأخبار