الموسيقا تبدعها الأرواح المتمرّدة على القباحة

الوحدة: 1-5-2021

 

 كانت و ستبقى الموسيقا لغة العالم، غذاء الأرواح في كلّ وقت و حين. تجمع ما تفرّقه شرور الإنسان، و نفسه الأمّارة بالسّوء. ودائماً تراودنا أفكار عدّة وأسئلة متنوعة عن ماهية الأشياء ،فمثلاً :كيف اخترع جدّنا القديم الموسيقا؟ أنّى له أن يبدع أول لحن؟ و ما الدّافع الحقيقيّ وراء هذا الخلق المختلف؟ جالت هذه الأسئلة الملحّة في رأسي الذي يتّسع كثيراً أمام هاجس مقاربة الحقيقة. للأسف الشّديد لم يدوّن جدّنا الغالي يومئذ كيف كانت ظروف و حيثيّات ولادة لحنه الأوّل. ربّما لم يتقن التّعبير عن عظمة اللحظة و قدسيّتها.. أو ربّما لم يجد لغة أو رسماً يستطيع أن يسجّل مواقيت ذا اللحن بما يكتنفه من مشاعر و اختلاجات دواخله أمام هذي الولادة أو هول ذا المخاض الاستثنائيّ. ما الأمر الخارق الذي استفزّ عبقريّتك أيّها الجدّ العزيز حتّى أبدعت ذلك اللحن؟ قال البعض: إنّك خلقتَ الموسيقا لتقاوم الشّر المستشري في هذا العالم. ذهب آخرون إلى أنّك حاولت باللحن اجتثاث الكره و البغضاء من صدور أمحلت، و سكنها اليباس. بينما قال غيرهم: إنّك أردت أن تتخلّص من الألم و مكنونات صدرك من الوجع، فطفق طيفك يعزف لحون الخلاص، علّها الموسيقا وحدها تذهب بالوجع في دروب تتعرّج بعيداً خارج المجرّة. لا سبيل أمام هذي المعضلة لاقتناص الحقيقة. أطلقت العنان لأسطوانة الموسيقا التي نسيتها منذ وقت طويل على أحد رفوف مكتبتي. بدأت تلك الألحان السّاحرة تجوب الغرفة و كأنّني أطلقت سراحها بعدما افتكّت لذاتها حرّية عصماء. أسندت رأسي إلى وسادتي الطّافحة بالأحلام كعادتها. وددت من ذلك أن أتقمّص تلك اللحظة التي تمخّضت عن ولادة اللحن الأوّل. كيف لقلب الإنسان العاديّ أن يحتمل هذا الخلق الهائل؟ لا يمكن أن تشعّ اللحون من روح عاديّة.. روح اعتادت الرّكون.. أو ربّما القناعة. الموسيقا تبدعها الأرواح المتمرّدة على القباحة.. النّازعة إلى الجمال. هي ذي الموسيقا صرخة قلب مولع بالحبّ، يعشق شموس الحسن التي تشرق من كلّ جهات الإنسانيّة بلا هوادة. لتبقَ الموسيقا صلاة الأرواح المترفة بالوجع، في حالم موحش من الحقد، استسقاء لدماء جديدة، دافئة، تسري بين حنايا الرّوح المولعة في كلّ فجر بعالم خالٍ من الآلام.. تعالوا نصلِ في حضرة الموسيقا.. نستجدِ بقدسيّتها الأمل من أجل أن يهجر الصّقيع صدر هذا الكون. الموسيقا صلاة الأقوياء.. صلاة الأنقياء.. صلاة التوّاقين إلى الخلود. صلّوا معها.. و بها من أجل عالم مترف بعطر الإنسانيّة… عالم عاشق بلا ضغينة.. بلا وجع.

نور محمد حاتم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار