تل تويني مدينة أوغاريتية مصغرة !

http://youtu.be/-r_ss8LfM0Y

الوحدة : 12-4-2021

لاعتبارات عديدة تؤكدها التنقيبات الأثرية في تل تويني الذي يقع على الحدود الجنوبية لمملكة أوغاريت ينبثق تساؤل مهم عن صلة تل تويني بمملكة أوغاريت، ذلك أن العناصر المعمارية و الشوارع و القطع الأثرية المكتشفة في تل تويني بسهل جبلة تتشابه مع مثيلاتها المكتشفة في مدينة مملكة أوغاريت. فمنذ عام 1999 ولغاية تاريخه وأعمال التنقيب الأثرية في تل تويني تكشف عن تفاصيل المدينة القائمة فيها من أحياء سكنية ومنشآت ومشاغل للحياكة ومستودعات ومعابد وجميعها تعود إلى عصري البرونز والحديد، عدا أن هذه المدينة ترتبط بعلاقات تبادل تجارية مع بعض دول حوض المتوسط مثل قبرص و مينيسيا، تؤكدها القطع الأثرية المكتشفة من جرار فخارية ولا ننسى الجعرانات المصرية التي شوهدت في شوارع تل تويني الفرعية. فما الذي يؤكد قطعاً على الصلة الوثيقة بين تل تويني و مملكة أوغاريت و هل هذا من شأنه إعادة النظر بتسميات مواقع أثرية ليس في تل تويني و حسب بل أيضاً العديد من المواقع الأثرية القائمة في سهل جبلة؟ تساؤلات عديدة حول موقع تل تويني كانت محور اللقاء مع الدكتور مسعود بدوي رئيس دائرة آثار جبلة الذي أوضح لنا بدايةً أن تل تويني يقع على بعد 1700م شمال شرق مدينة جبلة وعلى بعد حوالي 1500 م من شاطئ البحر، يحيط بالموقع العديد من المجاري المائية التي تصب في البحر المتوسط كنهري الرميلة والفوار. يأخذ التل مسقطاً إجاصياً رأسه يقع في الجهة الغربية، تبلغ أبعاده حوالي 400م شرق-غرب وحوالي 290م شمال-جنوب، مساحته 11,6 هكتارات ويرتفع 26م عن سطح البحر وعن السهل المحيط به من 15 حتى 20م. بدأت أعمال التنقيب بموقع تل تويني منذ عام 1999 من قبل بعثة أثرية سورية -بلجيكية مشتركة وأسفرت أعمال التنقيب حينذاك في الكشف عن العديد من الأحياء السكنية والمنشآت التي تعود بشكل أساسي إلى عصري البرونز والحديد. قدمت أعمال التنقيب الأثري في العديد من الأسبار التي نفذت في الحقلين A-B من الكشف عن العديد من السويات الأثرية تعود إلى عصر البرونز القديم الثالث و الرابع (2500- 2000 ق.م). وتابع الدكتور بدوي : تم الكشف عن مدفنين يعودان لعصر البرونز الوسيط (النصف الأول من الألف الثاني ق. م)، المدفن الأول يقع ضمن الحقل A وجد بداخله بقايا 58 هيكلاً عظمياً إنسانياً، أما الأثاث الجنائزي فقد تألف من العديد من الأواني الفخارية (أباريق ، سرج ، طاسات) بعضها مستورد من قبرص وميسينا حُفظت بشكل كامل إضافةً إلى العديد من الدبابيس البرونزية ودمية من الفريت. أما المدفن الثاني يقع في الحقل B وضم هيكلين عظميين وجدا داخل حاصل مبني من الحجر غير المشذب مع أثاث جنائزي بسيط تألف بشكل أساسي من بلطة متطاولة من البرونز و إبريق كبير ثنائي اللون. وكذلك أدت أعمال التنقيب الأثري في الكشف عن بعض المنشآت العمرانية التي تعود إلى بداية عصر الحديد، ففي الحقل B تم الكشف عن بناء له وظيفة دينية، تألف من مسقط معروف للمعبد السوري الذي نجد أقدم أمثلة له في تل الخويره في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد والذي تطور بشكل ملحوظ خلال الألف الثاني في مدن مثل ماري وإبلا و أوغاريت. كما كشفت التنقيبات في تل تويني ” والحديث للدكتور بدوي ” عن سوية عصر البرونز الحديث (النصف الثاني من الألف الثاني ق.م) التي تضمنت عدداً من الأبنية السكنية حفظت أرضيات بعض غرفها بشكل جيد وكانت مجهزة بشبكة تصريف للمياه عثر فيها على العديد من الأواني الفخارية وبعضها مستوردة من قبرص وميسينا وبعض مناطق بحر إيجه، بعض الأختام الأسطوانية وبعض الوزنات، إذ تكشف الوثائق الأثرية عن وقوع منطقة تل التويني تحت السيطرة الأوغاريتية. و في السياق نفسه أشار د.بدوي إلى حدوث تغير جذري في المنطقة بهجوم شعوب البحر وتدمير مدينة مملكة أوغاريت، إنهار خلالها النظام السياسي والاقتصادي للمملكة والذي انعكس على المدن والقرى التابعة لها وذلك في نهاية عصر البرونز الحديث خلال بداية القرن الثاني عشر قبل الميلاد. وبالعودة إلى أعمال التنقيب في السويات التي تعود للألف الأول ق.م فقد أدت حسبما ذكر د. بدوي إلى الكشف عن العديد من المنشآت المعمارية تعود إلى مبانٍ وأحياء سكنية تعود في غالبيتها لعصرالحديد الثاني وقد انتمت هذه المنشآت إلى تنظيمات عمرانية كشف عنها أثناء أعمال التنقيب والمسوحات الجيوفزيائية والتي مكنتنا ” والحديث للدكتور بدوي ” من التعرف بشكل واضح على المخطط العمراني للمدينة والذي كان يتألف من العديد من محاور الاتصال والطرق التي كانت تشكل فيما بينها الأحياء السكنية والمباني الكبيرة الدينية والمدنية. فقد كشف في الحقل B عن مجمع ديني يعود إلى القرنين السادس والخامس ق.م ،أما في الحقل A كشف عن عدد من المساكن ضمت أرضياتها العديد من البقايا الأثرية مثل أحواض عصر الزيتون ومنشآت لعدد من الحرف اليدوية والزراعية البسيطة والتي كانت غالبيتها مؤرخة في عصر الحديد الثاني. خلال العصور الكلاسيكية انحسر الاستيطان في التل ليتمركز بشكل رئيسي في مدينة جبلة، فقد هجر التل بشكل كامل باستثناء بعض النشاطات الزراعية وتربية الماشية، ففي الحقل B كشف عن مزرعة تعود للعصر البيزنطي، ضمت معصرة عنب ومدفن جماعي تألف الأثاث الجنائزي البسيط من السرج الفخارية وبعض المشابك البرونزية. تنقيبات حديثة بعد توقف أعمال التنقيب من قبل البعثة الأثرية السورية البلجيكية عام 2010، واصلت البعثة الأثرية السورية وحدها أعمال التنقيب منذ عام 2013و لا زالت مستمرة حتى تاريخه وذلك بإدارة الدكتور مسعود بدوي. ففي عام 2013 تم فتح حقل تنقيب جديد (الحقل E) في الجهة الجنوبية الغربية من التل و أهم ما توصلت إليه أعمال التنقيب الكشف عن أحد الطرق الفرعية – والذي تبين من خلال أعمال المسح الجيومغناطيسي الذي أجري عام 2004 و اكتشاف الطريق الرئيسي الذي يتجه من الشرق نحو الغرب باتجاه المعبد على جوانب الطريق نجد مداخل الأبنية السكنية و المشاغل كان لها بوابات كبير يتم الدخول منها نحو فسحة مكشوفة مرصوفة بالحجارة و بالحصى النهري ومزودة بوسائل خدمية مثل الموقد و أدوات سحق الحبوب مثل المجارش والمدقات البازلتية وأدوات تستخدم لأغراض معيشية مثل أدوات صناعة الخبز و الطهي، ويحيط بالباحة عدد من الغرف بعضها يستخدم للمنامة و بعض منها لأغراض خدمية مثل المستودعات لتخزين الزيتون و الحبوب حيث كانت معبأة بجرار. المداخل الأخرى تؤدي لمشغل للحياكة ويعود أيضاً القرنين الثامن والتاسع قبل الميلاد ، والشارع الفرعي الممتد الفرعي يعود إلى القرنين السادس و الخامس قبل الميلاد . ومن اللافت أن الطريق مرصوص بمخلفات عظمية وفخارية لوحظ عليها آثار الحت والمشي المتكرر، كما تم الكشف على مخلفات أثرية مرمية على الطريق لعدد من الجعرانات المصرية أي أختام مسطحة تعود لعصر الحديد الثالث نهاية القرن السادس قبل الميلاد وكذلك طبعة ختم إسطواني تعود لعصر الحديد الأول للقرن العاشر قبل الميلاد وكذلك مدقات و أحواض بازلتية. معطيات مهمة أوضح د. بدوي أن نتائج أعمال التنقيب الأثرية التي تمت في موقع تل تويني حتى تاريخه قد توصلت إلى جملة معطيات و معلومات هامة مثل العناصر المعمارية التي تعود للألف الثاني و الأول قبل الميلاد ولفترة عصر البرونز الحديث المعاصرة لمملكة أوغاريت 1600- 1200 قبل الميلاد ، لكن عدم الكشف بعد عن الرقم الكتابية في موقع تل تويني حتى تاريخه يبقي التساؤل قائماً حول اسم المدينة الواقعة في تل تويني وربما التنقيبات القادمة تعطي أجوبة شافية ليس حول اسم مدينة تل تويني وحسب بل و العديد من المواقع الأثرية القائمة في منطقة جبلة.

ازدهار علي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار