سُبل أخرى يمكن الاعتماد عليها لدعم الإنفاق المنزلي

الوحدة 29-3-2021

 

بعد ظهور نتائج الضغوطات والعقوبات الدولية الظالمة التي أخذت تلاحق جميع أفراد ومكونات مجتمعنا، فقد بدأت مفاعيل هذه الإجراءات تتلاطم مع الأدوات المعيشية التي تأثرت بشكل رئيسي، لاسيما المتعلقة بالحياة اليومية للمواطن، وهي لقمة العيش الكريم، حيث بدأ هذا المصطلح يخرج من الخدمة، ونتمنى أن يكون هذا الوضع بشكل مؤقت أو غيمة مارقة، لأن الأعباء المعيشية اليومية أصبحت ترهق الأغنياء والفقراء بآن معاً، فذاك الفقير قد تعوّدت أمعاؤه على تلقّي الشيء اليسير كما تعوّد على فقدانه أيضاً، أما ذلك الميسور الذي أصابته نوبات الهلع والخوف من القادمات بدأ سوء الحال يقضّ مضجعه، لأنه غير قادر على الاستمرار بضخّ تلك الكميات الكبيرة من الأموال لليوم الواحد لتأمين متطلبات الحياة الرغيدة التي يعيشها، أما الحديث عن الأسباب والمسبّبات والدخول في عالم الاقتصاد والسياسة وما يدور في فلكهما من عقوبات دولية فهذا بحاجة إلى اختصاصيين من عالم المال والاقتصاد ودكاترة تتفنّن بصياغة الآثار الكارثية على مقدرات الدولة ومقوماتها، وذاد الطين بلّة تلك الباخرة العملاقة التي نامت بشكل عرضاني بقناة السويس، حيث ساهمت هي الأخرى بالضغط على المقدرات الرئيسية للبلاد وهي الوقود بأنواعه.

 

أما الشيء المهم الذي يجب الحديث عنه فهو كيف لتلك الفئة والشريحة الأوسع تتدبّر أمور معيشتها في ظل تلك الأوضاع المأساوية من غلاء أطبق على جميع مكونات الأسواق باستثناء اللحوم التي خرجت منذ مدة عن الخارطة المعيشية لتلك البطون، وفي هذه اللحظات تساوت أقدار سكان المدن والأرياف تقريباً، فالراتب الشهري بحالة صمود حتى الأسبوع الأول من الشهر (حالياً)، غير أن لأهالي القرى طرائق متعدّدة بإمكانها أن تنجو من هول الأسعار وخاصة خلال هذه الأيام، حيث ينمو بين تلك المروج الخضراء الكثير من النباتات والأعشاب التي يمكن الاعتماد عليها بصناعة أشهى الأطباق وألذها وأكثر غنى بالعناصر الغذائية التي يتطلبها جسم الإنسان، وهي عديدة ومتنوعة ومن الممكن العناية بها لإطالة عمرها لما بعد فصل الربيع والاستفادة منها وهي متعدّدة كالبقدونس والجرجير والخبيزة والمسيكة وبلاغصون والقريصة والهنيدبة، ومنها ما يُزرع بالتنبيت بأي وقت (شرط وجود مياه الري) كالسلق والسبانخ والبصل والفجل وغيره كثير، وهذه المزروعات العادية أخذت طريقها إلى الأسواق وهي تُدر مردوداً مقبولاً بالنسبة للمحتاجين، لذلك فالقرويون قادرون على الصمود أكثر من غيرهم عداك عن تربيتهم للدواجن وعدد محدود من المواشي بنسبة قليلة نظراً لتكاليف تربيتها المرتفعة من أعلاف وتطبيب وغيره، وقد لوحظ في الآونة الأخيرة ظهور الكثير من النسوة والرجال أيضاً بين المنصفات والحدائق العامة في المدينة يقطفون بعض هذه الأعشاب القابلة للتناول بطريقة عشوائية، حيث يتم طهيها مع بصلة صغيرة وبعض الزيت والثوم، وأصبح التحايل على هذه الظروف القاسية هو الشغل الشاغل لجميع الأسر غنية وفقيرة وكلهم يُجمعون على وجود الخبز المادة التي لا يمكن تجاهلها فهي الآن عصب البقاء على الرغم من صعوبة تأمينها لكنها وبفضل الله لازالت ثابتة ولم تتعرّض للفقدان.

ونستنتج مما سبق وما حلّ بأطياف مجتمعنا بأننا نعيش في بلد زراعي بامتياز يمكننا الاعتماد على ثرواتنا وسللنا الزراعية الغذائية والاستفادة من تجربة الثمانينات والحصار العالمي على سوريتنا من أجل تركيعنا وتجويعنا، حيث افتقدنا مواداً عديدة لكن يمكن الاستغناء عنها جميعاً، وما جعلنا في حالة صمود وتصدّي في تلك الأيام هي المقومات الزراعية وملحقاتها التي فاضت عن حاجتنا آنذاك، وحققنا الاكتفاء الذاتي بالكثير من المواد، وكان توجه القيادة بذلك الزمن هي توفير المياه وزراعة كل شبر من الأرض، فكانت تتكدّس في بيادرنا الحنطة والحمّص والعدس وجميع الحبوب الأخرى، حيث كانت تعمل آلات الحصاد والدراسة ليل نهار لتلبية المزارعين واستخلاص مواسمهم، وقد عجزت الدولة بإحدى السنين عن تخزين الخيرات بالصوامع والمستودعات، مما دفع بذوي الشأن لدفن تلك الحبوب داخل الأرض، أما في القرى والأرياف كان عرف الفلاحين يقتضي توزيع جزء من المحصول للمحتاجين في القرية قبل دخوله عتبة البيت وبذلك تكون جميع العائلات بحالة متشابهة بعيدة عن العوز والجوع… فهل تعود تلك النسخة الأصيلة لتنبت وتزهو من جديد، وتعود مواسم الزراعة والحصاد إلى ذلك الزمن الذهبي.. الأمل بالله.

سليمان حسين

تصفح المزيد..
آخر الأخبار