الهوية وشرانق الصمت قراءة سوسيو ثقافية لرحيل العوسج في دار الأسد

الوحدة : 15-3-2021


 تأتي رواية (رحيل العوسج) للكاتبة أحلام أبو عساف في خضم إنتاج روائي تتدفق فيه سرديات النضال ومقاومات المرأة ضد وقائع الاحتلال والإرهاب بنوعيه المادي والفكري والنفسي, وضد الازدواجية الذاتية التي أنتجت واقعاً يعيث فيه التفكك الفكري, والبنيان النفسي الضعيف, ومع هذا التدفق السردي امتازت رحيل العوسج عن غيرها بأفكار بناءة وبناء جمالي إبداعي ورؤية مختلفة .

قدمت الدكتورة غيثاء قادرة دراسة لرواية رحيل العوسج في ملتقى محبي الكتاب لتكون بينها وبين الجمهور مناقشة علنية في دار الأسد للثقافة حيث قالت :

تقوم الرواية على قضية محورية لها بعد ثقافي واضح, وأهمية في توجيه أحداث الرواية وفضاءاتها وهي قضية الوجود الذاتي وما يستتبعها من استقلالية في الرأي, وامتلاك حرية القرار وصولاً إلى تحقيق الهدف عند المرأة التي كون نضوجها نسق ثقافي قائم بنيانه على العقيدة والمبدأ وقداسة الأرض والسماء, لكنها القضية التي تتعارض في مخطط تنفيذها مع البنية الاجتماعية الثقافية, لتغدو بؤرة الحدث هي الخروج من شرانق ثقافة كبلتها وحدت من انطلاقها التقاليد فالمرأة والرواية عنوانان رئيسان في الرواية ومركزان تدور في فلكهما باقي الشخصيات التي تعد بؤراً تغذي الأصول, وتخلق حساً درامياً تنشأ بفعله الأحداث وتتواتر .

أهم الأحداث في الرواية الازدواجية الفكرية التي تعاني منها الذات الذكورية, وتقوم بتغذيتها وتقويمها ثقافة منشؤها عالم لا يؤمن بفكر النضال الأنثوي, عالم يستنهض من حيث لا يدري مساعي الانعتاق من أسر ازدواجيته انطلاقاً إلى فضاء تحرر الذات لعالم يناهض واقع الاحتلال الفكري والاحتلال المادي, هذا العالم كان هاجس بطلة الرواية خولة .

اعتمدت الكاتبة في عرض رؤيتها أسلوب الخطف من الخلف لتصل تدريجياً إلى تقديم الصورة موضوع الرواية (خولة) فقد بدأت بتصوير الحضور في ضوء الغياب, ونسميه ضوءاً لأنها كانت تأمل بإنارة الوجود .

رحيل العوسج_ عنوان لا يتجاوز كلمتين, إلا أنه يماثل في دلالاته الجمل الكبرى المركبة التي تكون بنية النص السردي كله, ويمكننا القول : إن دلالة العنوان هي دلالة النص كله, خولة فتاة مقدام عنيدة جليسة الفكر النضالي وثابة متخطية قيود الأهل والمجتمع, وحلمت بسماء حرة وأرض يرمح في أرجائها أبناء الحياة, لا وطناً تعيث فيه طائرات العدوان .

رحيل العوسج_ رمز لصوت صادح ضائع في خبايا الثقافة العرجاء, الثقافة التي تنظر في مساهمات المرأة في الوطن نظرة جوفاء, وأبى أن يختنق وانطلق جامحاً غازياً فلوات الخراب, مدمراً أربابه

إن رؤية الساردة للعالم وللآخرين وللأشياء تمر عبر تخطيها النسق, وهذا ما تعلن عنه منذ أول سطر في بداية الرواية : أيتها الشمس المتوارية خلف الغيوم إذا ما قدمت لك جسدي قرباناً هلا تشرقين ؟ بهذا السؤال الذي جاء على لسان خولة تفتتح الكاتبة روايتها لتؤكد فكرة الوعي بالشيء, الوعي الذي ينبثق من خلال الإدراك الحسي, فوعيها وإيمانها بالأرض ترجمته في تفجير جسدها الذي كان قرباناً على مذبح الحرية والنضال من أجلها .

تمتاز رواية أحلام عساف بالتكثيف والتدقيق في المعنى, فهي تستعمل الرموز وتجيد لغة الإشارة, فالمقاومة لا تقتصر على السلاح فحسب إنما تمتد لتصل مقاومة الفكر والتقاليد, ومن هنا نلاحظ الخط الدرامي في الرواية قد ارتبط بالخلفية الاجتماعية للشخصية وبتفاصيلها الدقيقة, وحياتها العامة, هي لم تقف على دقائق الأمور اليومية عند الشخصيات وكأنها بهذا تؤدي إلى افتتاحية خط معين كان له أثر كبير في أحداث الرواية, خط الصراع بين ثنائيات ضدية, السلام والانتقام, الأنوثة والذكورة, الأنا والأخر .

لقد أضفى الثراء اللغوي على المتن الروائي هالة من القوة والمتانة فنجد تلك الأساليب الإنشائية التي تبعد النص عن الجمود وتخلق حرية وفسحات من الحياة, كقول منى والدة خولة : لماذا استكثرت السعادة المكوث في رحابنا؟ وما يدل على الإرادة وقوتها, والصمود في وجه الأهوال, وهذا يضفي معلماً آخر من معالم الرواية وهي الوقوف بعد السقوط هو الاستمرار لا الاستسلام, هو الإرادة الحرة المتيقظة_جميعنا مررنا بتلك الحالة_ فماذا بعد ؟ أنستسلم أنخضع أنترك كل شيء هكذا, لماذا لا نعود من جديد, لماذا لا نحاول, لماذا لا نكون من عظماء هذه الحياة, لماذا لا نقف مجدداً  ونمشي إلى الأمام تاركين ضعفنا, لماذا لا نحمل باقة تفاؤل ونمضي ؟ فوالله الضعف واليأس لا يصنع منا شيئاً سيدمرنا تدريجياً .

الهوية هي التي صاغت تفاصيل المكان وأروقة السنديان وشجر الشوح ونبات العوسج في ذاك الزمان الذي صاح فيه المقاوم  نذير العودة بأذن خولة لترد : ما جئت هنا إلا لأكون عظيمة .

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار