الوحدة : 9-3-2021
أسامة إبراهيم طالب دراسات عليا في جامعة تشرين، قسم اللغة الإنكليزية وآدابها، برنامج الماجستير، قسم الدراسات الأدبية. اختصاص المسرح الحديث، حائز على جائزة المسابقة العربية للبحث العلمي المسرحي في دورتها الخامسة والتي تنظمها سنوياً الهيئة العربية للمسرح في الشارقة. يقوم حالياً بإتمام أطروحته في درجة الماجستير حول مسرح العبث وهي بعنوان: الفوضى- التناسق: دراسة للأنماط الشكلانية في مسرحيات مختارة في مسرح العبث، بإشراف الدكتور محمد حرفوش. وهذا أحد الأسباب التي ساعدته في تحقيق الإنجاز الحالي.
التقيناه لنقف عند تفاصيل جائزته ،كيف جاءت معرفتك بالمسابقة؟
جاءت معرفتي بالمسابقة نتيجة اهتمامي بالأبحاث النقدية الأدبية خصوصاً وأنّ اختصاصي في درجة الماجستير هو المسرح الحديث. لذلك وأثناء بحثي على الشبكة العنكبوتية عن مسابقات أدبية، صادفتُ المسابقة العربية للبحث العلمي المسرحي وأثارت اهتمامي لأصالة العنوان الذي تطرحه وهو: الأسلبة والنمطية وتحرر المسرح، إذ إنّ هكذا موضوع هو دعوة مفتوحة للإبداع والابتكار. أمضيتُ بعدها شهراً في التخطيط والتأليف حتى وصل بحثي بعدها إلى شكله الحالي.
ما هو عنوان بحثك ومضمونه؟
عنوان بحثي هو: (التحرر بين المكان واللا مكان: دراسة للفضاءات المسرحية في ضوء الهيتروتوبيا، والذي حزت عنهُ المركز الثاني في المسابقة آنفة الذكر بعد التنافس مع ثمانية وعشرين باحثاً من أرجاء الوطن العربي.
ولفهم مضمون البحث وموضوعه الأساسي، يجب التطرق إلى معنى الهيتروتوبيا. يتحدثُ هذا المفهوم عن علاقة عالمنا الواقعي الذي نعيش فيه بأمكنة موجودة لكنها أقرب إلى الرمزية منها إلى الواقعية بحيث يرتبط الاثنان بثنائية نقدية تحليلية تنكشفُ فيها نقائص الأول عن طريق الآخر. والمقبرة هي خير مثال على ذلك، فهي جزء ومكان من عالمنا إلا أنها مكان رمزي هو أكثر ارتباطاً بعالم الماورائيات أكثر منه من العالم المادي، فهي بذلك جزء مادي وغير مادي معاً في عالمنا الواقعي. ويخضعُ المسرح لنفس المفهوم في علاقته مع العالم المادي، فهو جزء واقعي وموجود إلا أنّهُ مكان لعرض الأعمال الأدبيّة، أي أنّه مكان للاختلاق والخيال، وهذا يجعله مزيجاً من الوجود واللاوجود.
ماذا عن فكرة البحث الأساسية؟
تنطلق الفكرة الأساسية للبحث من فكرة استكشاف الفضاء المسرحي وربطه مع العالم الواقعي المادي في علاقة تحليلية وليس كمجرد انعكاس، أي أنّ ما يبتغيه البحث هو دراسة ما يجري في مكان الحدث المسرحي أو على خشبة المسرح باعتباره نقد وتحليل ومقاربة للحياة والواقع بغية تجريدهما وإظهار حقيقتهما وتسليط الضوء على نواقصهما ومساوئهما. كما يدرس البحث ثلاثة أصنافٍ من التقنيات التي يندمج من خلالها عالمين مسرحيين خياليين لخلق أفضل وأعمق تأثير على المشاهد. على سبيل المثال، في مسرحية كاسك يا وطن، يتصل والد غوار، وهو أحد شهداء حرب فلسطين، بابنه من الجنة ليطمئن على حال البلاد العربية، وهو هنا يتصل من مكان لا ورائي ليتكلم مع ولده الموجود في عالم المسرحية الذي يعتبر واقعياً، وبذلك يندمج العالمان الخياليان بغية إيصال رسالة عميقة إلى الجمهور الجالس في المسرح في مكانٍ حقيقي مادي، وهذه الرسالة هي مدى سوء البلاد العربية في الزمن الحديث وضياع تضحيات الشهداء، لتنكشف بذلك حقيقة عالمنا العربي الحديث عن طريق علاقته بعالم المسرح الخيالي والمختلق.
ما غاية بحثك وهدفه؟
لا يقتصر البحث على ربط المسرح بالحياة لكشف حقيقتها وتجريدها، بل يتمحور أيضاً حول المفهوم الأساسي الذي تطرحه الدورة الخامسة للمسابقة، وهي تكمن في جوهرها في مفهوم (تحرر المسرح) وكما أسلفنا سابقاً، لا يتم التعامل هنا مع المسرح كمجرد انعكاس، إذ إنّ الغاية في الحقيقة هي تغيير هذه الصورة النمطية، بحيث يأخذ المسرح دوره كأداة للتغير عن طريق تسليط الضوء على دقائق الحياة ضمن علاقة تحليلية نقدية، كما هدف البحث أيضاً إلى إظهار قدرة المسرح كفنٍ على مواكبة التطورات التقنية الهائلة التي تحدث في عالمي التلفاز والسينما وحتى على استباقها. ويأتي مثال كاسك يا وطن الآنف الذكر كأفضل أداةٍ لتوضيح قدرة المسرح على دمج عالمين متناقضين بأبسط الإمكانيات دونما اللجوء إلى كاميراتٍ عالية الدقة أو إلى مواقع تصوير ضخمةٍ. لم يحتج المخرج خلدون المالح في هذه المسرحية إلى أكثر من امتزاج المشهد الذي يراهُ الجمهور مع صوت الوالد الشهيد الذي يفترض أنّه قادم من الجنّة، ليقدّم بذلك رسالة عنيفة ولاذعة للمشاهد بأبسط طريقة، أيوجدُ ما هو أكثر تأثير من لعنِ الشهيد القاطن للفردوس الأعلى حال العالم العربي الحديث؟ هذا ما قام بهِ المخرج عن طريق هذا الامتزاج بين العالمين، وهو جوهر الهيتروتوبيا ببساطة.
كلمة أخيرة
أتوجه بالامتنان إلى عائلتي لتوفيرها البيئة البحثيّة والدعم قدر الإمكان وبكل السبل المتاحة.
لا بدّ لي أيضاً من شكر مشرفي الدكتور محمد حرفوش على تقديمي لعالم المسرح الجميل وعلى مساهماته الجليلة في تشكيل وتطوير وعيي النقدي المسرحي والذي كان أساسياً للغاية في تحقيقي للمركز الثاني في الجائزة العربية للبحث العلمي المسرحي. ويتوجّبُ عليّ كذلك شكر أعضاء قسم اللغة الإنكليزية وآدابها فرداً فرداً، ممثلين بالدكتور محمد جلال عثمان والدكتور أحمد العيسى، لأن ما أنجزتهُ هو نتاج دراستي في هذا القسم الأكاديمي العريق، وهو تمثيلٌ للفكر النقدي العميق والأصيل الذي تلقيته هناك على يدي نخبة مميزة من المختصين. كما أتوجه بالشكر إلى صحيفتكم الموقرة لاهتمامها بإنجازي ولإتاحة هذه الفرصة لي، وهي الوحيدة التي أبدت الاهتمام الكافي بحصولي على جائزة على مستوى الوطن العربي. وهنا، لا يسعني إلا شكركم جزيل الشكر ولا يسعني إلا التعبير عن امتناني العميق، إلا أنّ ما يثير القليل من دهشتي هو انعدام الاهتمام من بقية الدوائر الثقافية سواء في المحافظة أو في وطننا ككل بتغطية هذا الحدث. ويأتي اندهاشي من قلّة الاهتمام بالمقارنة مع قوّة حضور سورية في المسابقة العربية للمسرح، إذ إنني لست السوري الوحيد الفائز في هذه الدورة من المسابقة. يوجد في الحقيقة فائزتان أخريان غيري في مجال التأليف المسرحي، وهذا يعكس عظمة وأصالة فكر وإنجاز المثقف والباحث السوري رغم الظروف الصعبة التي نشهدها ورغم انعدام البيئة البحثية ورغم ضعف الاهتمام ومحدودية الدعم من قبل الدوائر الثقافية في وطننا المكلوم والمكافح. نحنُ نعمل فرادى في البحث والتأليف دونما مساعدة تذكر، ورغم ذلك استطعنا تحقيق إنجازٍ إقليمي عجز عنهُ الكثير في بلادٍ لا تعاني مقار عشر المعانة التي تشهدها سورية، أليس بعضُ الاهتمام والدعم كفيلين بمساعدة الباحثين السوريين على تحقيق إنجازاتٍ عالمية وأممية؟ أقول قولي هذا والأملُ يحدوني والشكُّ يملئني.
نور محمد حاتم