د. باسل الشيخ ياسين.. يد مع مبضع جراح ويد أخرى تخط حقائقها على أبواب الحقيقة

الوحدة 1-3-2021   

 

نصطف بازدحام قارس مزودين بزمن يتداور مع سنينه في عمر قد يصغر أو يطول قليلاً، رنين خطواته ترسم لأبصارنا هياكل وعوالم وأغاني إيقاعها يترجم في كل لحظة ما تهمس به الروح في أمل لملاقاة الحب على أبواب الحقيقة، ليظل ما بين السؤال والسؤال عد لا متناه من جواب، كما أنه ما بين الجواب والجواب عدّ لامتناه لاستفهامات ما زالت تطرق وبقوة على كرنفال العيش الذي نحياه، وما بين زخم الأسئلة والأجوبة ضبابية من عيش وسريالية من حياة تتوه خطواتها في بحثها الدائم لإقناع في موقف أو مفهوم أو وطن، هل نحن في خضم الحقيقة أم مازلنا على وسادة حلم ؟! ذاك السؤال الذي ما زال يسطره البوح على سطور ومدارات الشمس في سطوعها، ويوشم للقمر مع لياليه جل الشجن الذي أمسى عتيقاً وعتيقاً جداً.

 د. باسل الشيخ ياسين أحد الأرواح الشابة الباحثة بإصرار عن ثبات في حقيقة وعن سطور وشمت هوية واضحة قبل أن تجف المحابر، سافر مع أليس إلى شعره، حمله إلى بلاد وأحلام في أوطان، طاف مع هذا العالم الذي صنف بالإنساني يستفهم ماهية الكلمات التي دونت فضاءاته ، بشدة وبعنفوان السؤال سطر رؤاه على زاد من قصيدة، وما استكان فما زال في القلب ما يقال .

د. باسل الشيخ ياسين من مواليد مدينة سلمية السورية طبيب تخرَّج في جامعة دمشق وهو الآن يتابع دراسته في مرحلة الماجستير الدراسات العليا باختصاص الجراحة العظمية( جامعة تشرين- مشفى تشرين الجامعي باللاذقية) في السنة الخامسة والأخيرة.

 حاز على عدد من الجوائز والتكريمات منها حصوله على المركز الأول في الشعر بمسابقة اتحاد الكتاب العرب من غير الأعضاء فرع الرقة لعام ٢٠١٨ عن قصيدته (ابن بطوطة الدمشقي).. وحصوله على المركز الأول في القصة لعام ٢٠١٩ أيضاً لمسابقة اتحاد الكتاب فرع الرقة عن قصته (ولادة طبيعية) والمركز الثاني في الشعر بمسابقة الشاعر الدكتور وجيه البارودي التي أقيمت بحماة عام ٢٠٢٠ عن قصيدته (فيض العروبة).

 ليس للشاعر ديوان مستقل.. شارك بثلاث قصائد في ديوان مشترك لملتقى حديث الياسمين، وله العديد من المشاركات على منابر رسمية وأهلية في مدينته سلمية وفي مدن دمشق وحماة واللاذقية، في استكانة مسروقة من حقيقة كان لنا حوار..

– الكلمة حين تطرق العقل والروح معاً.. كيف تخرج بعين وإحساس الطبيب الجراح؟

في واقع الأمر لقد اكتشفت موهبتي الشعرية في المرحلة الإعدادية، وخلال دراستي للطب أصبح لدي رافد جديد أضاف الكثير لتجربتي الإبداعية ومسيرتي القلمية، لذا عندما يكون الشاعر طبيباً جراحاً فلا غرابة أن يتحول القلم بين أصابعه لمبضعٍ وبالتالي تصبح القصيدة عمليةً جراحيةً وينقلب الشفاء الى كلمة قطباها العقل والروح.

– الجسد البشري بتوليفة أعضائه وأجزائه كون من الحوارات الدائمة الجدلية، ما بين العقل والقلب وليخط بوحاً، أيهما يسبق الآخر إلى القلم؟

 إن القلب هو المنبع والمصب غير أن المجرى يحفره العقل، أي أن البوح يتدفق من قلب المبدع لينتهي في قلب المحيط والذي هو مجتمعه، فالماء هو الفكرة وهو روح النص والمجرى هو اللغة والصورة والأسلوب، بالمختصر فالقلب هو من يطلق شرارة البوح غير أن العقل هو من يفتح المدى لتلك الشرارة فتستحيل شهاباً أو نيزكاً أو ربما مجرةً بأكملها.

 – من تغلب على الآخر عندك.. عين الطبيب وبوصلته أم محراق الكلمات ورؤاها؟

 بالتأكيد محراق الكلمات ورؤاها ولو كان الأمر غير ذلك لرأينا كل الأطباء شعراء.

– قصيدة (مهزلة العقل البشري) تحمل في بوحها مشرط جراح حقيقي، حيث تقول في مقطع منها: العقل صار من الغرابة أغرب.. فرأى بأن العقل في أنْ يذهبا.. فمضى يراقب ما جرى من بعده.. ليرى الجنون وقد طغى واستأذبا… تشخيص الحالة لمعاينة دقيقة جداً، كيف تتبلور وتتضح الحالة الإنسانية فيها؟

هنا تكمن المفارقة.. وما جمالية الشعر إلا بمفارقاته التي تخلق الدهشة عند المتلقي فكيف للعقل أن يكون غريباً وأين للعقلانية أن توجد بغياب العقل.. إنها حالة غير طبيعية لكن ليس من الغرابة أن نشهدها في ظل واقع غير طبيعي.

– من وحي سريالية الأحداث التي نعيشها مع هذا العالم الملقب بالإنساني، وفي قصيدتك (أليس في بلادي) تلك القصيدة الواجعة.. يغيب عنها الأمل، ونحن في بلاد العجائب.. لو خُيِّرنا إلى أين سنتأبط أليس؟

من الواضح أن العنوان يعكس أن سوريانا صارت بلاد العجائب حقّاً.. ولو كان الأمر بيدي لكنت أخذت بيدِ أليس الى المدينة الفاضلة.

 – في عتب عميق وشفاف تقول في مطلع قصيدة (هجاء الظل العالي): مرفوعة والنار تلتهم الشراع.. كفٌّ مخضبةٌ بحشرجة الوداعْ.. أبكيكَ يا خشب السفينة مزّقتها.. شهوة الغرق المسافر في الضياعْ… عبر سفن الزمن سابقت أحلامُنا أقدامَنا، هل لاحت شطآن الأمان برأيك؟

في المدى المنظور ومع الأسف الشديد لا أرى ما يوحي بالأمان ولايزال الضياع هو سيد الموقف.

– تتجعد الأسئلة عند تجاعيد أوطانها، من وحي قصيدتك (تجاعيد وطن) أسألك هل هي قدرية كأعمارنا تلك التجاعيد، وهل يفعل الزمن بالأمكنة ما يفعله بنا ؟ أم أننا نحن من نحفر أخاديدها؟

في قصيدتي (تجاعيد وطن) أرمز للوطن بمرآة أنظر فيها فأرى أن ملامحي متجعّدة ومشوّهة، ولكن عندما ألمس المرآة ويتبين لي أنها هي المجعدة أشعر بالارتياح للوهلة الأولى وحين أعلم أنني أمام تجاعيد الوطن يزاولني ذاك الارتياح وأوقن أنّني أمام كارثةٍ تشلُّ تفكيري..عندها ورغم سوداوية المشهد ألجأُ لمساحة الأمل الضيقة.

 – في عالم القصيدة الموجع الذي حملته يطل الحب بقصائد عديدة (عسلية العينين- وداد- بوح الأماكن) وقصائد أخرى عديدة… ونحن المنهزمون كثيراً، الحب في أرواحنا ما بين الهزيمة والانتصار أين يقف وماهي مداراته وهل يلحق ويعانق خطواتنا المسرعة التائهة؟

 أرى أن الحبّ يقف في خندق الانتصار، فالقادرون على الحب هم من سينتصرون والأرض يرثها عباد الله الطيبون.. إن مدارات الحب تبدأ من الفرد وتتسع مداراتها لتضمّ الأسرة وأطياف المجتمع وشعوب الأرض والبشرية جمعاء.. وأرجو أن يعانق هذا الحب جميع المدارات المذكورة.. ساعتها ستصبح خطواتنا متسارعةً متصاعدةً وواثقة. فالحب هو الضامن وهو الحل وهو الأمل .

 – (فيض العروبة) قصيدة تخاطب فيها تاريخنا العربي و تقول في مطلعها: مهما أقلْ في الحب يبقَ قليلا.. ولذا لجأتُ إلى السكوت بديلا.. إن لم أقلْ في الحب ما يروى به.. ظمأ العصور فبئس ما قد قِيلا.. يا لائمي إني أفيض عروبة.. تسقي الزمان فصاحة وصهيلا… هل بقي للعروبة مطرح، وهل حقاً نستطيع أن نسقي الزمان فصاحة وصهيلاً؟

  لو أردت أن أعرف بنفسي لقلت أنّني مستقل ككيان فردي عروبيّ الثقافة وسوريّ الروح.. علاقة العروبة بالفصاحة واضحة ولا تحتاج لإيضاح، أما الصهيل فلها مدلول يتجاوز الخيول والمعارك والفتوحات وينتقل بنا الى آفاق الخيال ومضامير المعرفة والفتوحات الحضارية فأنا لست من دعاة البكاء على الأطلال واستحضار ماضٍ حافل بالأمجاد لم يعد اليوم سوى ذريعةٍ للهرب من واقعنا الحاضر ومستقبلنا المجهول .والعروبة كمشروع سياسي فشلتْ ككثير من المشاريع التي وضعت أهدافاً طوباوية يستحيل تحقيقها، لكن العروبة كثقافة لها وجودها الحاضر بيننا والذي يستحيل إنكاره فهي مندمجة ببنية العقل الذي يحكمنا.

 – تقول: عندما تبكي المحابر.. فلتمتْ كل المشاعر، في قصيدتك (عندما تبكي المحابر)، هل بكت محابرنا أم جفت، أم تاهت مع سراب الحقيقة؟

إن المحابر لن تجف وبكاؤها دليل صدقها، إن هذا البكاء هو من يزلزل عروش الطغاة، أما المحابر التائهة مع سراب الحقيقة فهي التي تتقنع بالضحك، ويبقى القلم حائراً أمام واقع لا يدري إن كان يدعو للضحك أم للبكاء.

 – في فلسفة الحياة وعوالمها، وما تحتويه من عدد لا متناه من النظريات التي توصف رحلة الإنسان، وأنت تشبهها بالسراب، ومن عالم السراب الذي يرتسم، أسألك عن خداع المشهد أو حقيقته، وأنت الشاب في مقتبل عمرك، لماذا يتراءى لك دوماً هذا السراب على صفحات كتاباتك؟

هذا السراب لا يحكمني وحدي بل يحكم العديد من الشعوب ومنها شعبنا الذي يهيم على وجهه في صحراء الفوضى والتخبّط والضياع وكلما وصل لواحةٍ يدرك أنها محض سراب، فيكمل سعيه وقد استبدّ بهِ العطش وإني لأخشى أن يستبد بهِ اليأس في نهاية المطاف، عندها سيقدِّم استقالته من الحياة ويركن أحلامه على رفوف الانتظار.

 سلمى حلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار