الوحدة: 23-2-
2021
بين الأدب الراقي الأنيق في الرواية والترجمة الروحية من أحداق المدينة والريف تربعت الأديبة ناديا شومان على عرش محكمة أصدقاء جمعية العاديات في كندا لتنال منهم بـ (خطى كتبت علينا) جائزة العلامة خير الدين الأسدي السنوية الإصدار السادس لتميزها في توثيق مدينة اللاذقية . (الماضي الذي كان ولم يعد, ترك الوجود, غادرنا إلى أين ؟ ربما لمنازل الذاكرة أو لبيوت العدم, ولكن هل حقاً كان ؟ أم أن الماضي لأنه لم يعد فقد لهذا السبب أوراقه, نسي اسمه وعنوانه, ولم يعد بمقدوره أن يسكن معنا ؟ لنا ميل لتجميل الماضي لقد شهد شبابنا, ومن منا يرضى بصدق أن يشيخ؟) وهي لم تشخ رغم مرور سنوات العمر بعشرات وعشرات تولد 1926وكانت روايتها (خطى كتبت علينا) (في عالم مختلف جارح ومكسور, وميضه يبرق مسرعاً حتى أننا لا نعرف أن نتلقاه, تأخذك إلى لحظة وجع تمتد لعشرات السنين وتقحمك بمناخ المرارة في نفوس بائسة منسية اقتلعتها من الحياة) تحقق ما كانت تسعى له الأديبة ناديا شومان فهي تكتب بشغف وحب حقيقي ولم تبحث يوماً عن القارئ, كتبت رواياتها الأربعة (زمن الياسمين, خطا كتبت علينا, بقايا هشيم, شال حرير في مهب الريح) بكل هدوء وأناة بعد أن فاض بها الحنين لموهبة حطها الله في قلبها فكانت تتنفس بها في أوقات انفكاكها من أعمال البيت والأولاد بعد زواجها في سن 15 سنة ناديا شومان ابنة اللاذقية عاشت حياتها على الحب والبساطة والأخلاق والالتزام بالتقاليد وعاصرت المرحلة الأخيرة من الانتداب الفرنسي على سورية, نشأت ضمن أسرة مثقفة وأخوة أطباء أشادوا لمكتبتهم المنزلية البنيان لتعتمر بأصناف الكتب والروايات بلغة عربية وأجنبية, لتغرف بكل ما في نفسها وفكرها من شغف للقراءة من أمهات الكتب وأخواتها, و كانت قد بدأت الكتابة في بعض الأفكار وترجمت (خطيئة الآخرين ) انشغلت بالأولاد ونسيت نفسها لبعض حين وكانت قد أولعت بصغارها حب القراءة بعين شرهة وخجلة ليشبوا عليها فكانوا رجال علم (طب وهندسة ) ورجال فكر وأدب (روايات وشعر ) وليكبروا بأحلامهم التي حملتهم خارج بلدهم بشهادات تميز ونجاح واليوم تحقق إيمانها بأن الكاتب الحقيقي لا بد أن يصل يوماً لحلمه رغم مرور كل هذه السنوات فالكتب رأت النور ووصلت ليد قارئها وأخيراً حصلت على اهتمام الناس لأنها كتبت من شغف حقيقي إذ السنوات لا تغير الأدب الذي يحكي عن عوالم موجودة ومستقبلية واليوم وبكرا ومرور السنوات كان محك لمعرفة الأدب الحقيقي كما تقول الأديبة ناديا شومان وتتابع يقولها : إنها لم تتجه لاتحاد الكتاب ومجتمعها بعيد عن مجتمع الكتاب وصخبه وما فتحت باباً عليه فهو غريب على مجتمعها والتزمت به والذي لم تخرج من إطاره وخطوطه غير في عقلها وتمردها في فكرها وكتابتها البعيدة عن دور النشر والصحفيين, في بلدها لم يعرفها أحد سوى البعض لكنها كانت تجد في زياراتها لبلدان أخرى مثل قطر وفرنسا كتبها في المنشورات ولطالما طلب منها الإقامة والعمل لكنها كانت ترفض بإصرار للعودة لبلدها التي تحب ولجارتها وبيتها وذكرياتها التي لا توازيها شهرة أو مال . هي فاعلة ومتفاعلة مع الناس وفكرها المنفتح يجذب جيل الشباب ليكونوا أصدقاءها ورغم أنها تقول أنا منسحبة وليس لي علاقة بهذا العالم الفلكي والفيسبوكي لكن هذا غير صحيح فهي متعلقة بهم وعلى الفيسبوك كثير من الأصدقاء آراءها فيها الكثير من التحرر الفكري الحقيقي وعندها انفتاح على الأفلام والروايات والسينما وغيرها, ولديها كتاباتها وترجمة لبعض المقاطع في روايات تروقها وشذرات وبعض ما في نفسها تلقى الإعجاب وبعضها تلقى النشر في مجلات وصحف غربية وهي التي ترجمت ( فتاة, السعادة الثالثة, تحدي أولغا, الحج إلى الينابيع) وكانت الأخيرة الأشهر والأطول والأصعب ونشرت مقاطع من ترجمتها في جريدة الشرق المتوسط والقدس حتى بعض النقاد وصفوها بأنه أفضل الكتب المترجمة . تصرح بقولها :أنا اعتزلت عن عالم التأليف وأحس بأني أقف بعيداً وأتفرج, لكني لا ابتعد أبداً عن معبودتي الكتابة ولو بعض أفكار على الفيسبوك وهي صلتي للعالم الخارجي . ناديا شومان لم تسعَ يوماً للشهرة ولم تغرها المظاهر وكانت كتاباتها لنفسها إلى أن شجعها أولادها بلزوم نشرها وسرعان ما حظيت بفرصها بجوائز لم تتوقعها وتأخذ روايتها جائزة الأسدي التي كتبتها عام 1979 وتكون فيها مفاجأتها وهي طريحة الفراش بسبب مرضها بكورونا لهذا كتبت لهم : تحياتي لكم جميعاً وشكري العميق لكل القائمين على جوائز العلامة خير الدين الأسدي لجهودهم المباركة واهتمامهم بحفظ التراث اللامادي لسوريا الحبيبة كل ما كتبته حقيقي لمسته ورأيته وعشته كانت اللاذقية مدينة صغيرة محاطة بالبساتين يغسل البحر قدميها وتسند ظهرها حارة القلعة وجامع المغربي والطابيات كتبت رواياتي لتسجيل تراث اللاذقية في خمسينيات القرن الماضي في محاولة لحفظه من الضياع ولتطلع عليه الأجيال القادمة وتعرف كيف كانت حياة مدينتنا كيف كانت الأسواق القديمة كيف كانت الحارات والمقاهي والطرقات والزواريب كيف كان تعامل لأهل والجيران والألفة والزيارات والسهرات والمساعدة في إعداد المؤونوفت الشعيرية كتبت عن بيئتي وأهلي وجيراني كتبت عن الخير والمحبة كما كتبت عن الظلم والقهر ويسعدني أن أكون قد ساهمت في حفظ تراث هذه المدينة العريقة التي أحب مرة أخرى ألف شكر وامتنان لكم أعزائي لالتفاتتكم الكريمة التي أضاءت قلبي في هذا الزمن الصعب .
هدى سلوم