رام عباس: فكّر عالمياً واعمل محلياً

الوحدة: 21-2-2021

   

 

أحبت الهندسة المعمارية فاتخذت من معلومات دراستها الجامعية قاعدة للإبداع فتجولت بالأفكار العالمية وكانت النتيجة التفوق والحصول على جوائز عالمية، ولم يكن التفوق العلمي وحيداً بل رافقه الإحساس والشعر…

– كيف كانت البداية؟

أحببت الرسم منذ طفولتي لأنه يفتح باب الإبداع بكل شيء ولأنني أكره النمطية اخترت فرع العمارة لأنه يجمع بين الإبداع والتفكير، ومع الوقت ومن خلال القراءة أحببت علم الاجتماع والمجتمعات وتعلمت كيف تربط العمارة بين علم الاجتماع والهندسة والعلوم البحتة فزاد حبي له، وشغفي تخطيط المدن عملاً بالمقولة: فكّر عالمياً واعمل محلياً، ولهذا بدأت من السنة الثالثة أتواصل مع منظمات عالمية ونناقش عبر مواقع ومنصات عالمية التحديات العالمية التي تواجه العمارة بكل البلدان منها الاستدامة وتحسين مستوى المعيشة وتطوير الاقتصاد والحياة الاجتماعية والبيئة إضافة لإعادة الإعمار، وانتقل اهتمامي إلى حل المشاكل وتمنيت أن تكون لي بصمة في بلدي الحبيب سورية فاخترت مشروع التخرج عن (حماية المدن الساحلية من ارتفاع مستويات البحار- الواجهة البحرية طرطوس)  وهو التحدي الأكثر أهمية حالياً على مستوى العالم كما أنه الأول من نوعه في سورية، حيث تمت دراسة عملية للواجهة في طرطوس مع بحث علمي متكامل ليكون مرجعاً عربياً لكل من أراد البحث في الموضوع ونشرت البحث والمشروع على المنصات العلمية والبحثية فقامت المنظمة الفرنسية العالمية Jacques rougerie المهتمة بالعمارة وارتفاع مستويات البحار باختياري سفيرة لها في سورية، لنشر هذا الموضوع والمساهمة في توعية الجيل الجديد من المعماريين للتحديات العالمية ولتكون مشاريعنا أكثر جدية، كما نال اهتمام منظمات عالمية أخرى رئيسة الاتحاد الدولي للتطوير العقاري  FIABCI ، (كاترينا) في أوكرانيا، ود. سالومي رئيسة هيئة التطوير الحضري في إيران ووصفه بحل لا يصدق لحماية المدن الساحلية والبيئة.

– لنتحدث عن المشروع؟

  تمت دراسة الخط الساحلي السوري بأكمله وتأثير ارتفاع مستويات البحار وتحديد المناطق الأكثر تأثراً (فارتفاع مستويات البحار لا تؤثر فقط بغمر مياه البحر الأراضي بل قد يمتد أيضاً من أسفل التربة عبر الطبقات النفوذة عند مصبات الأنهار ويسبب تملح المياه الجوفية وهذه ظاهرة خطيرة بالنسبة للبناء والزراعة) فكانت أكثر المناطق تأثراً طرطوس وسهل الحميدية ومصب نهر الغمقة، بعد الدراسة البيئية تمت دراسة البنية التحتية للمدينة وتاريخ المدينة ومكوناتها الديموغرافية لخلق واجهة بحرية ليست بيئة فحسب بل اجتماعية واقتصادية في آن معاً ولتكون واجهة مستدامة تشكل الامتداد المستقبلي للمدينة لذا اخترت العمل على ثلاثة محاور تنمية للمدينة والامتداد بهم الأول عند مدخل المدينة القادم من معبر العريضة  وهي نقطة تقاطع هامة في البنية التحتية وتربط المدينة بجزيرة أرواد، الثاني محور يبدأ من مقر الجامعة ويساير نهر الغنية في صورة لإعادة تأهيل مسار نهر الغمقة ويكون محوراً بيئياً، الثالث من مدينة طرطوس القديمة التي تشكل الهوية التاريخية للمدينة، أما عن بنية الحماية  فهي عبارة عن عدة مسارات تنموية تتخللها عدة جزر عائمة مدروسة حسب النسبة الذهبية الفيبوناتشي لتشكل بنية كاملة لحماية المدينة والاستفادة منها اقتصادياً واجتماعياً خط الحماية الاول هو ما أسميته قوس الحماية، عبارة عن living breakwater حيث يشكل وسطاً حيوياً من الأحياء الدقيقة يحمي المدينة بالكامل من ارتفاع مستويات البحار  ويشكل في الوقت ذاته مسار تنموي اقتصادي سياحي يربط جزيرة أرواد بالمدينة تتخلله عدة فعاليات، والثاني مسار بيئي يحمي نهر الغمقة ويمتد لينتهي بالجزيرة اليكولوجية والتي تشكل بطارية مستدامة للمدينة، أما الثالث فهو مسار زمكاني يربط المدينة القديمة بجزيرة ثقافية وجزيرة بانورامية وطبعاً كل مسار يتخلله العديد من الفعاليات.

– رأيت مشروعاً مميزاً لك وهو منزل القباب هل تحدثنا عنه؟

مشروع منزل القباب هو مشروع مشترك مع المهندس رفعت ناصيف حيث أن الفكرة الأولية إنشاء منزل من القبب يحاكي الماضي وملائم للطبيعة ولكن بلمسة عصرية فعملنا معاً لتكون الوحدة الأساسية القبة ويكون المنزل flexible  يمكن التحكم فيه وزيادة عدد الغرف كيفما يشاء صاحب المنزل بمواد بيئية بسيطة تحاكي ريفنا الجميل فكان العمل عليه في ريف اللاذقية.

– ماذا عن أعمالك الأخرى؟

آخر الأعمال كان بحث علمي حول إعادة الإعمار وإعادة تأهيل المدن تقدمت به للمؤتمر العلمي العالمي الأول لإعادة الإعمار في دمشق وهو بعنوان (النظريات الثلاث في إعادة الأحياء المدنية ما بعد الحداثة) وأتمنى أن نرى نتائجه في خطط إعادة ا الإعمار التي ستجري.

– مع هذا التميز كله أرى أنك تخطيت ما تعلمته في الجامعة؟

طبعاً أنا أؤمن وخاصة في ظل هذا الانفتاح العلمي والثقافي والإنترنت يجب عدم الاكتفاء بمصدر واحد للتعلم على الرغم من أننا لا نستطيع أن ننكى أن الجامعة أوصلتنا إلى الأساس ولكن يجب التعلم من كافة المصادر المتاحة و إثراء الفكر لنصل للتطوير المنشود وهذا ما يفعله كافة العلماء حول العالم التعلم من مختلف الدول والتجارب والثقافات.

– إلى جانب العمارة لديك اهتمام بالشعر؟

نعم الشعر شغفي فقد بدأت الكتابة في الصف الخامس وكان لدي دافع ذاتي للكتابة والتجديد ولكن كتاباتي أبصرت النور من خلال المركز الثقافي في بانياس متمثلاً بإدارته الأستاذ خالد فهد حيدر ومنتدى بانياس الثقافي حيث كانوا الدافع الأول للظهور العلني.

– هل هناك رابط بين الشعر والعمارة؟

دائماً أقول الهندسة هي الخط الفضي بين العلم والفن، وبالتأكيد هناك رابط فكلاهما أساس الإبداع وكلاهما يحملان التجديد والتطرق لمواضيع مهمة مجتمعياً ولكن الاختلاف بصياغة الحل، ففي الشعر يكون الحل بالتعبير الأدبي أما الهندسة يكون بالمشاريع والمخططات الملموسة، هما مشروعان مستمران معي وجزء من شخصيتي لا أختار التوقيت عند الحاجة للقيام بشيء معين أقوم به على الفور.

رنا ياسين غانم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار