د. محمد بصل: أّنى وجدت الحياة وجد المسرح

الوحدة: 16-2-2021

 

يعد المسرح واحداً من أهم الواجهات الفنية والثقافية التي تعبر عن حضارة المجتمعات ورقيها، من هنا كان من الضروري المحافظة على هذا الفن الراقي أو كما يسمى ،أبو الفنون ،لدعم استمراريته بصورة مشّرّفة تنهض بالسوية الفنية والمجتمعية على حد سواء، فهل يقوم المسرح بدوره على أكمل وجه؟ وما هي الإشكاليات والصعوبات والتحديات التي تعيق واقعه ليكون بالشكل الأمثل؟ هذه الأفكار وسواها كانت محط لقائنا مع د . محمد إسماعيل بصل كاتب وباحث مسرحي، عضو اتحاد الكتاب العرب، لجنة الدراسات والبحوث-. له حوالي سبعة مؤلفات حول المسرح. ومسرحيات ودراسات تطبيقية عن اللسانيات ونظرياتها في اللغة العربية، مدّرس في جامعة تشرين. وكان قد شغل منصب مدير المسرح القومي في اللاذقية وعميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية .

– كخبير في المسرح وعاشق له وواحد من أفراده كيف يمكن أن نعطي له قيمة إضافية وسط التحديات التي تواجه المسرح اليوم ؟

 و ما الحياة سوى مسرح نحن فيها ممثلون، هذا ما قاله ذات يوم شكسبير ، و أظن أنها مقولة يتفق على صحتها و دقتها الجميع، و من ها هنا تتأتى ربما أهمية المسرح بوصفه فنا يحاكي حياة الناس، و يقدم حكاياهم على خشبة تنتمي إلى فضاء أكثر اتساعاً و عمقاً من مكانها في المبنى الذي يقع فيه المسرح.. و هذا ما يجعل من هذه الخشبة غير مستقرة و ثابتة في بنية واحدة.، بل متبدلة و متطورة عبر الزمان و السياق التاريخي لفكرة العرض المسرحي ..و لنا أن نتخيل كيف كانت تبنى المسارح ، و إلى ما آلت إليه حالها اليوم، فالمسرح لم يعد تلك الرقعة المكانية الشاسعة التي تشكل نقطة تتمحور حولها المدرجات الهائلة، و لست هنا في صدد ذكر المراحل التي طورت من شكل الفرجة المسرحية و لكن أردت فقط أن أصل إلى فكرة مفادها أن المسرح يمكن أن يكون في كل مكان و خشبته يمكن أن تكون في قاعة درسية ، أو في ساحة عامة ، أو في قلعة من القلاع و قد تكون على شاطئ أو في طريق ، و بالتالي فإنها لصيقة بالإنسان أنّى حلّ و أنّى ترحل .لذا و ضمن هذا السياق يمكن أن نفهم مقولة شكسبير السابقة. فأنّى وجدت الحياة وجد المسرح، و أعتقد أن المسرح خلق يوم خلق الإنسان نفسه .و يكفي أن نذكر هنا القصص الموجودة في الكتب السماوية و الحكايا الغرائبية التي تضمها الأساطير، و كلها بنيات درامية لعبت أدوارها عوامل كثيرة و من بين هذه العوامل الإنسان الذي يشكل المقصود و الملاذ لذلك كله. ليس فن المسرح بالفن البسيط الذي يمكن التعاطي معه بخفة أو باستعجال ، و خطورته تكمن في المحاكاة التي يقصدها و يريد أن يقنع الآخرين أنها حدثت فعلا مع أن كل شيء يدل على أنها مجرد لعبة و حالة من الوهم كما لو أن الحدث قد حدث فعلاً و لكنه في واقع الأمر لم يحدث هنا. و الآن بل لعله حدث أو لم يحدث في زمان سابق لزمان العرض المسرحي. .نعم نحن في الحياة نلعب أدواراً فهذا الطيب و ذاك الشرير و ذياك البطل و الآخر خائن. كل واحد يلبس قناعاً و يؤدي دوراً سواء أكان مقتنعاً به أم غير مقتنع، و عليه أن يكون حاذقاً و بارعاً ليقنع الناس بأدائه الجيد و يحصل على ما يريد في نهاية المطاف .و عندما يخرج أحدهم عن النص فإن قواعد اللعبة- و إن وجدت -فإنها ستتدمر و ستحدث الأفعال التي لا عودة عنها. أما في المسرح فكل شيء مجهز مطرز مشغول منسوج متفق عليه، و كلما كانت القواعد مبنية على معايير الحجاج المنطقي و المسوغ كلما كانت اللعبة المسرحية أقوى و ألذ. إن أية قيمة مضافة يمكن أن تعطى للمسرح يجب أن تكون أولاً من اعتباره فناً خطيراً و إشكالياً و أصيلاً في حياة الناس، و لكونه كذلك فإن الإبداع في عوالمه يحتاج إلى توفر بيئة خصبة و مخصبة. هذه البيئة تعيش اليوم اغتراباً قاسياً و محبطاً مع ذاتها و مع محيطها من بيئات أخرى و بالتالي فإن أحداً لا يمكن أن يزعم أنه قادر على تقديم قيمة مضافة للمسرح قبل أن يساهم في تقديم قيم إضافية إلى البيئة التي يعيش فيها. و يسعى نحو التغيير الذي يرتقي بالإنسان و حياته بعيداً عن التزمت و الإقصاء و التهميش و القمع و كم الأفواه و البلطجة السياسية التي تحكم العالم الحديث و تعيد إنسان هذا العصر إلى حقب التخلف و الجهل و الاستعباد و التناحر

-هناك من داخل البيت المسرحي من لا يقر بوجود أزمة نصوص ،لكن بالواقع اغلب العروض لنصوص منقولة ومقتبسة؟

النص المسرحي يعيش أزمة أزوم ، و ليس فقط النص الذي يعيش أزمته، بل كل ما يحيط بحالة الإبداع التي من المفترض أن تنتجه، إن أهم ما يمكن توفره في مناخ الإبداع من مقومات العيش الكريم غير موجود، العالم كله يتحرك و ثمة أسئلة كبيرة و جريئة يمكن أن يطرحها المؤلفون بدلاً من تقديم توصيفات سطحية لما يجري في الواقع أو بدلاً من اجترار انتصارات الماضي و البكاء على أطلاله و بدون جلد الذات أيضا و إحباط البشر…السؤال الأهم من بين الأسئلة التي يجب أن تطرح: من أنا و ماذا أريد و هل أملك رغبة و قوة لأفعل ما أريد.. هل الكتابة هي واجب على المؤلف ليطبع نصاً مسرحياً لا يقدم فيه رؤية واضحة و مهمة للمتلقي. هل ثمة من فهم حقيقي للذات حتى تفهم الآخر. .هل تقبل نفسك كي تقبل نّدك…و ثمة مجموعة أخرى يجب أن نطرحها في اجتماعات و لقاءات و ندوات و مؤتمرات و نتحاور حولها بعمق و موضوعية و حسب معايير العلم و المنطق توضع الإجابات و ليعرف كل شخص حدود نفسه و عندئذ يمكن القول إن كان لدينا كتّاب موهوبون في هذا المجال أو ذاك…المشكلة أن شخصاً يصبح كاتباً من دون أن يقرأ نصاً مسرحياً و لا أقول إنه لم يقرأ شيئاً عن طبيعة اللغة المسرحية و خصوصيتها، و آخر يصبح مخرجاً لنص هذا الكاتب لأنه قرر أن يصبح مخرجاً ذات جلسة حماسية بعد أن حضر عرضاً مسرحياً قيل في مساوئه الكثير ..ومن منطق أن أحداً ليس أفضل من أحد دخل معترك الإخراج ضارباً عرض الحائط بكل ما أنزل به المنطق من معايير علمية و هكذا نحن نتخبط في الأزمات. كيف لقائل أن يقول إنه لا يوجد أزمة في النص المسرحي، طالما أننا نعيش في زمن تطغى عليه التابوات أكثر من أي زمن مضى. نحن للأسف نحيا أزمات لا يمكن أن تنتج مبدعين بالمعنى الخلاق للكلمة

-هذه الفورة لإنتاج كم هائل من الممثلين والمخرجين عبر المعاهد الخاصة، ألا تراها تضر المسرح أكثر مما تنفعه؟

كثرت في الآونة الأخيرة ظاهرة المعاهد الخاصة التي تقيم دورات في مجال كتابة النص و مجال الدراموتورجيا و مجال الإخراج و مجال إعداد الممثل و مجالات أخرى، و أنا هنا لست بصدد التقليل من أهمية هذه التجارب و لا يحق لي أن أشك في سلامة نوايا القائمين عليها، و أظن أن هذه التجارب متفاوتة من حيث الجدية في التعامل مع الأمر .إلا أن الموضوع برمته يحتاج إلى إعادة نظر و يحتاج إلى جهات تعمل على ضبط هذه الظاهرة بضوابط علمية و منطقية و أن يكون, هناك مساءلة حول الموضوع. لا مانع من أن يكون في كل حي من الأحياء معهد .ولكن ما هي المؤهلات التي تسمح بتشريع افتتاح هكذا معاهد هذا هو السؤال. عندنا مؤسسات ثقافية و فنية عندما تتوفر لدى لجانها الموضوعية و العلمية لتكن هي إذن صاحبة القرار في السماح للمعاهد أن تفتتح دورات و من ثم متابعة هذه الدورات و التأكد من جديتها و سلامتها و نجاعتها و هدفها و مسوغها. على العموم ثمة حالات شاذة و خطيرة يجب أن يوضع حد لها.

مهى الشريقي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار