حب في فضاء أزرق

الوحدة 15-2-2021     

 

لم يكن شيء مما يحدث معي منطقياً، لقد اختل توازني فعلاً… كنت في حالة روحية رائعة، تحررت فيها من أعباء الجسد وهمومه، لم أعد أشعر بآلام، جافاني النوم ولم أحس بالأرق، بدأت أصل ليلي بنهاري  من دون وهن..

ساعات قليلة متقطعة كانت تكفيني لأيام…. كنت أجد راحتي في حب إلهي تملكني ووجدت ذاتي فيه، لكنه على الرغم من مثاليته ونقائه كان افتراضياً…لا يسمح له بالتنفس على أرض الواقع ،لأنه لو فعل فسيكون حراماً وإثماً… فهل أقبل لمحبوبي النقي أن يأثم، هل أنزع عنه ونفسي ثوبي طهارتنا؟ وهل سيفهم العالم أن ما يجمعنا ليس حب ذكر وأنثى؟

لقد تملكني هواه وبدأت أتنفسه وأحيا به، شعرت بفيض محبته ورعايته التي أحاطني بها، لكنه هو الآخر لا يمكن أن ينفصل عن واقعه… لقد منحني كل المسافات ما بين السطور، وسماني قارئة لروحه، فوضني أن أجيب عن كل تلك الأسئلة المتلهفة، فهل أخون ثقة محبوبي وأخرجه من وقاره الذي أعشق ليعيش جنون شبابي؟

لا لست آثمة لأفعل، مهما سمت بنا أرواحنا للأعلى فثمة جذور ضاربة بالأعماق كما سنديانة معمرة…

كان فجر اليوم غريباً، تذكرت فيه كل قواسمنا وتقاطعاتنا في العالمين الافتراضي والواقعي، أنا لست مستعدة لأخسره، إنه روحي التي ولدت بعد موت سنين.. هل أدفنها ولم تكمل شهرها الأول.. نعم لقد كان حملاّ جميلاً هادئاً استمر ثمانية أشهر  هي عمر تعارفنا في ذلك الفضاء الأزرق، ثم باغته مخاض مفاجئ ، ودون أن أدري ولدت مجدداً في أول أيام تشرين.

فاجأني اتصال  صديقي عامر ليلاً بعد شيء كتبته عن عشق أحياه ، شكرني وقد عرف  أنه المقصود بكلامي، وبدا سعيداً ومبادلاً لي تلك المشاعر..

حينها انفصلت عن الواقع، فأنا مؤهلة لذلك بسبب جرح أعانيه… إنه نوعي المفضل، اتزانه… توجهاته… طريقة كلامه… تفكيره.. معالجته الأمور.. حسه العالي، كان كل شيء مثالياً ولكن…

 كان علي أن أحسم الأمر، لا يمكنني الاستمرار دون روحي، يجب أن أجد لها صيغة مناسبة لأحيا بها وأشرق بها في الضفة الأخرى من عالمي، فأنا في العالم الواقعي امرأة ملتزمة ولدي قضايا  مسؤولة عنها أمام ربي وضميري.

 أضأت شموع الرجاء وصليت لربي أستخيره في أمري ونمت لساعة متواصلة كما لم أفعل منذ زمن…

كان حلماً غريباً، السماء أرجوانية حالمة، فيها قمر وهلال ونجمة، وكنت على سطح دارنا العتيق أشير باستغراب للمشهد، رأيت والدتي رحمها الله تعطيني سترة جميلة لأرتديها، وتقول: هذه السترة لا تليق إلا بك… ارتديتها فنالت استحسان الجميع وأكدوا كلام أمي، وضعت السترة جانباً، وعدت لأتابع المشهد السماوي… لكن فجأة طارت السترة وصارت شعلة نار كبيرة، خفت وأنا أراها تصل السماء وترتد إلي… كدت أسقط فجاءت أمي وساندتني، قالت لي:  اطلبي أمنية يا وجد..

فقلت: يا رب اسألك التوفيق والهدى والرضى… نظرت إلى السماء، كانت الشعلة تتناثر شهباً صغيرة مبشرة بتحقق الأماني ورأيت الهلال يدور مع  القمر والنجمة فوق سماء مدينتي فاستيقظت وفي قلبي السلام.

 كان ثمة واقع جميل ينتظرني، إنه أسامة، رجلي الذي أحبني ولكنه ككل الرجال لا يملك ألا يخطئ، وقد فعل… ولم أكن كما النساء، بل كنت استثنائية ولم أعرف كيف أتجاوز تلك النزوة لسنين.

انفصلنا روحياً ولم أغفر أبداً نزوته، وبقيت  معه لأني ملتزمة بأمومتي وبيتي وحياةٍ تعبت كثيراً لأبنيها..

لكن اليوم عدت لغرفتي، فاجأته أني سأمنح روحينا فرصة جديدة, وأني أريد أن نغرم  مجدداً لأن بيتنا يستحق.. وأنني سامحته لأجل طفلتنا الوحيدة هبة  التي لا تنفك تسأل  لم ليس لديها إخوة، فأجيب أن الله لم يأذن بعد.

قال أسامة لي: كدت أفقد الأمل وأنا أركض لاهثاً لألحق بك، فأراك تطيرين أمامي كسراب.

 نمت في غرفتي لأول مرة منذ زمن بعيد جسداً وروحاً، واحتفظت بروحي الأخرى لنفسي، ففي النهاية لابد أن ينتصر العقل…

 لم أحب التكنولوجيا كثيراً، أعطيت الهاتف لابنتي لتلهو بألعابه بعد أن حذفتُ نهائياً كل صفحات التواصل.

 وعدت لحياة طبيعية، فأنا ابنة هذي الأرض الطاهرة ولن أنبت وأزهر إلا فيها.

نور نديم عمران

تصفح المزيد..
آخر الأخبار