الكلمة المرفوعة

الوحدة 15-2-2021     

 

 تصيبنا الصدمة والإحباط من المشهد الثقافي العربي ونحن نرى بأم العين كل ما فيه من سطحية التفكير وضبابية المشهد وشح المردود وما آل إليه من خواء إلى أن صار مفعولاً به ومفعولاً فيه ومفعول لأجل مقاولي الكلمة وتجار الثقافة وثيران الرأي عبر الكلمة التي انخفضت ونأت نحو غريزة الانتفاع والولاءات والدوائر الضيقة البعيدة كلياً عن الغايات الكبيرة.

 الكلمة المرفوعة أفكار ساعية لارتقاء العقل والفكر والحياة بألفاظ لها طلاوة النسيم تشبه حبات اللؤلؤ في عقد منظوم، ونور يسلط على المجتمعات لرفعها إلى ميادين الحضارة والتقدم، كلمة بيضاء ناصعة بعيدة عن أي خلفية خبيثة تبدد كل سرّ وتجلو كل مبهم وتعبر كل البوابات المغلقة لتصل إلى النفوس وتلامس شغاف الروح.

 بالتنوع وروح الحوار واحترام الإنسان وحريته وحقوقه، وعندما يهزم العقل يهزم الإنسان ويعود إلى مرابع الجاهلية العمياء. فالكلمة سلاح دمار شامل حين يكتبها قلم حاقد وحين ينطقها صوت مبحوح كفحيح الأفاعي، وسلاح غدر حين تباع وتشترى، كلمات منحوتة ذات نتوءات وزوايا حادة وصلدة، كلمات سوداء تتسلل كالعناكب من الشقوق المظلمة، ونتذكر بأسى وحسرة كيف فتح الأعداء ثغرة في الجدار العربي الهش وتسللوا منها عبر الكلمة المعسولة الهابطة والتهويمات المنعدمة التحديد التي تقبل التأويلات المتناقضة عبر المنافقين الذين لا يظهرون حقيقة توجهاتهم ونواياهم، بل ينتهجون أسلوب التورية والمراوغة لإبعاد الشبهة والتعمية عنهم لنشر القصص والأفكار الدينية وزيارة العالم الآخر عبر العمليات الانتحارية للحياة مع الحوريات، وكما يقول الفيلسوف جان بول سارتر: (الكلمات مسدسات محشوة بالرصاص). الكلمة المرفوعة مسؤولية أخلاقية ومسؤولية المبدعين لانتشال الواقع من الرداءة والعدمية والجاهلية، وهي غير موجودة في رؤوس القابعين في كهوف الظلام ولا عند الحالمين الرومانسيين الذين لا يتقنون قراءة الواقع وتناقضاته وصراعاته والقوى المؤثرة فيه. علينا الوقوف في وجه العنف والجهل المقدس والظلام المكدس والقمع والكبت الذي يخفى عقولاً براغماتية تقول ما لا تفعل، خوفاً من أن يغرق عالمنا العربي بالجهل والتخلف والانحطاط والتدهور والاستلاب وتغييب العقول.

 يجب بعث قيامة الكلمة عبر الثقافة لجعلها ذات جدوى بعيداً عن ثقافة النفاق لتتربع عرش مكانتها السامية، والتوظيف الاجتماعي للمعرفة ونشر الوعي المجتمعي والتجذر في تراب الوطن وترسيخ القيم وتعزيز الانتماء لدفع الوباء الأسود عن تاريخنا وتراثنا ووطننا ومواجهة من يستغل وجداننا ويتاجر بأدياننا وإنساننا وأوطاننا لإنقاذ إنسانيتنا والانتقال من ماضي القبيلة والفكر البدائي إلى التشاور واحترام الرأي والتعايش والاعتراف بحق الحياة للجميع للوصول إلى حياة أفضل.

 النور لا ينبثق من كوكب يتجلبب بالعتمة، والأديب الحقيقي عينه على المحسوس وعقله على المشتهى. يجب على الأدباء والكتاب التضحية من أجل نبل الفكرة وسمو الغاية في أشكال الإبداع المختلفة التي تتغذى من ثمار الموهبة وعمق الإحساس وقوة الخيال ورسوخ القناعة لإنتاج واقع أكثر صفاءً ونقاءً.

نعمان إبراهيم حميشة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار