الفنان التشكيلي بولس سركو.. عملي اليوم هو وصل ذهني بين التراث والحاضر

الوحدة 11-2-2021

 

 بمقاربة من العالمية وبمفردات تشكيلية تحمل خصوصية في الأسلوب الفني، يمكننا أن نوجز مسيرة الإبداع عند بولس سركو- الفنان المتجذر ببيئته البحرية الأوغاريتية والباحث عن الجمال بين جزئياتها الصغيرة، فهو، كما يصفه النقاد، يتمتع بحرفية لونيّة خاصة تجعل من لوحته ذات تقنية فنية حداثوية لافتة مع قدرة عالية على خلق تناغم بصري مميز بين ألوانه المغرقة بالفرح وحب الحياة حيث يرى أن اللوحة هي لغته الجمالية التي يعجز لسانه عن نطقها والموجهة لجميع البشر في كل مكان من العالم.

 جريدة الوحدة التقت التشكيلي بولس سركو وحاورته حول أهم المحطات في حياته الفنية والأدبية والمجتمعية ، فكان الحوار الآتي

– ما أهم المراحل الفنية التي مررت بها خلال مسيرتك وما هي خصوصية كل مرحلة؟

 جرت العادة أن يتدرج الفنان في انتقاله من الواقعية إلى الانطباعية إلى التعبيرية، فالتجريد لكن هذا الانتقال لم يكن منتظماً في تجربتي فقد اشتغلت ضمن المدرسة الواقعية زمناً طويلاً ثم اشتغلت بالتجريد قبل أن أجد نفسي في مكان يتوسط المدرستين لأنني سئمت من المباشرة الفجّة في الواقعية وبنفس القدر سئمت من عبثية التجريد وانحيازه لتمثيل اتجاه فلسفي غربي وتطرفه في تكريس مفهوم الفن للفن الذي لا أتفق معه لذلك حاولت أخذ ما يناسبني من الواقعية ومن التجريد لأجمعهما في جسد واحد يمكنه تمثيل طريقة تفكيري وقناعاتي وهذه باختصار المراحل الأساسية التي مررت بها.

 – تتعدد المقولات التي ترافق مسيرة الفنان، ما هي المقولة التي حرصت أن ترافق مسيرتك، وإلى أي مدى طبّقتها على أرض الواقع؟

لا أعرف بدقة المقصود من كلمة المقولة هل هي المثل الجمالي أم الهدف؟

 لكنني أعرف أن ما كنت أعمل له خلال سنوات قد حققت جزءاً كبيراً منه عبر مدخلين أساسيين: الأول مدخل تاريخي عبر اشتقاق روحية الفن التزييني الأوغاريتي والثاني مدخل بيئي عبر التقاط جزئيات من المشهد الساحلي الذي أعيش فيه فعملي اليوم هو وصل ذهني بين التراث والحاضر.

– حدّثنا عن المشروع الفني الحالي الذي تعمل عليه, وكرّست له الكثير من وقتك وفنّك؟

اليوم أنا مرتبك إلى حد كبير بسبب الحرب على سورية، فالمشروع الفني الخاص بي الذي لمّحت إلى بعض مرتكزاته كان على وشك أن يصل بي إلى نتائج مرضية لي تماماً من الناحية الأسلوبية والفكرية معاً، لكن الحرب على بلدنا قد خلقت نوعاً من تأنيب الضمير، فكيف يمكن لفنان ما أن يتابع ملهاة فنّية مهما كانت قيمتها الجمالية وبلده يتعرض لعدوان يترك آثاراً عميقة يقف عاجزاً عن التعبير عنها في فنّه؟

هذه مشكلة خطيرة جداً فمقولة الفن للفن حيّدت الفنان عن أداء الدور التاريخي المطلوب منه وطنياً واجتماعياً، البلاد تتمزق اجتماعياً ونحن مهووسون بنقاء الفن هل هذا معقول؟

 في اعتقادي أنه علينا استنباط قيمنا الجماليّة من قلب واقعنا وليس استيراد هذه القيم بالتلقين من الغرب ولو كان قد سبقنا بشوط حضاري فهذه ليست دعوة للقطيعة بل للتعامل بندية وتثاقف..

 – لك تجربة غنيّة بالكتابة في الصحف والمجلّات، حدثنا عن هذه التجربة وماذا قدّمت لك؟

تعود تجربتي الكتابية إلى سبعينيات القرن الماضي فكنت أرسل بعض المقطوعات الشعرية وبعض الخواطر والأفكار إلى جريدة الثورة وملحقها الثقافي وإلى مجلة الهدف لسان حال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي كانت تصدر في بيروت ويدير تحريرها الشاعر السوري هادي دانيال وهو اليوم من أصدقائي المقربين، وكان نشر ما أرسله يشكل حافزاً قوياً جداً للمتابعة لكن تلك البداية انقطعت خلال سفري إلى أوروبا لعدة سنوات ثم استمرّت بعد العودة فكنت أكتب من وقت لآخر لجريدة الوحدة المحلّية ومقال أسبوعي لجريدة النور السورية وخاصة خلال الحرب على سورية حيث ركزّت كل جهودي الكتابية لفضح المعتدين وكل من تعامل معهم في الداخل والخارج.

– ماذا عن مشروع الكتاب السياسي الذي هو قيد النشر، وإلى أيّ مرحلة وصل؟

 بالنسبة للكتاب السياسي فقد نشرت لي دار ديار في تونس حتّى الآن كتابين الأول بعنوان نوبة الوحشية النيوليبرالية- العدوان على سورية والثاني عصر الظلمات الجديد- ملفات التلاعب بالعقول ودورها في الحرب على سورية واليوم أحضّر مسودة كتابي الثالث الذي يشتمل على كامل تفاصيل الحدث السوري منذ التخطيط الأول للعدوان في عام 2003 في واشنطن وأسماء كل العملاء والقوى المشاركة فيه بعد انكشاف الكثير من الوثائق المؤكدة حول ذلك.

– ما دور الفنان عموماً، والتشكيلي خصوصاً في تجسيد آثار الأزمة التي يمر بها البلد، وما هي الحلول التي يمكن طرحها من خلال الأعمال؟

 سبق أن عبّرت عن أسفي بخصوص عجز الفنان اليوم عن التعبير عما يدور في مجتمعه من قضايا مصيريّة وذلك لأن بدعة الفن للفن غرّبته عن هذا المجتمع وقضاياه ورحلت به بعيداً فالجميع يخشى التطرّق للقضايا الاجتماعية خوفاً من خدش السياسة لبراءة الفن ونقائه ورغم أنني معترض ضمنياً على هذا التوجّه السائد لكنني حتى الآن لا أعرف كيف أكسر الغربة وأعود للاهتمام بما يعانيه الناس حولي من الناحية الفنية، أما بالنسبة للسؤال حول الحلول فهنا يتحول الأمر إلى سياسة بالمطلق فللفنان دور في تجسيد هموم الناس الذين يعيش بينهم في أعماله ولكنه غير مطالب فنياً بإيجاد الحلول لأن ذلك هو شأن السياسي وليس شأنه.

 – إلى أي مدى أثّرت الظروف الحالية على انتشار الفنان السوري عالمياً؟

الحرب على سورية أثّرت بشكل كبير على كل قطاعات المجتمع السوري بما فيها الثقافة ومنها الفن التشكيلي ولا يتعلق الأمر بالانتشار عالمياّ فقط فهناك مشاكل لا تحصى، الفنانون قد يتوقفون عن الإنتاج الفنّي في وقت ليس ببعيد نتيجة ارتفاع أسعار المواد فكلفة مواد لوحة اليوم بقياس متوسط قد يصل إلى (30) ألفاً في الوقت الذي يتعذّر فيه بيع هذا الإنتاج وهذه واحدة فقط من المشاكل ونسعى الآن نحن مجلس فرع اتحاد الفنانين لتأمين فرص عمل للفنانين التشكيليين فقد اجتمعنا مع السيد المحافظ وننسّق للاجتماع بالسيد مدير السياحة ونتمنى أن يتكلّل سعينا بالنجاح.

والجدير بالذكر أن الفنان بولس سركو من مواليد مدينة دمشق 1958، تنقل بين بلدان أوروبية عدة بين عامي 1980 و1987 وقد كان له مقالات عدة في الصحف السورية والعربية، وهو عضو اتحاد الفنانين التشكيليين وله العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل سورية وخارجها.

ريم ديب

  

 

       

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار