كانون الأصم و شباط المتقلب المزاج في الذاكرة الريفية

الوحدة: 1- 2- 2021

 

فيما مضى كانت المشاعر العفوية الصادقة لدى الأجداد تبعث الدفء الحقيقي في ليالي الشتاء البارد الذي يخيم عليه أجواء تسودها الألفة والمحبة بين الأقارب والجيران وأبناء القرية الواحدة.

وصفير الرياح الشرقية الباردة الهوجاء يوقظ ذكريات الأيام الذهبية لأجدادنا الذين عاشوا حياتهم وكلهم أمل جميل طيب بأن يوم الغد هو الأفضل.

ذكريات راسخة عن أيام الأجداد في فصل الشتاء تمر وكأنها شريط فيلم سينمائي حيّ عن سعادة الأجداد بأشياء بسيطة والقناعة بما هو موجود والتي حدثنا عنها السيد نبيل عجمية الباحث في التراث الشعبي: النسمة الشرقية في شهر كانون الأول كما يسميها أهالي القرى الجبلية كان  يُحْسَبْ لها ألف حساب، إذ تبقى نار (الكانون) متقدة طول النهار، وتزداد سماكة الألبسة لمنع الريح الشرقي أن (يدخل العظام) التعبير الشعبي الشائع في تلك الأيام.

كان الرجال خلال فترة العصر أو المغرب يلتفون حول (الكانون) على كراس من القش الصغيرة في دكان الحارة الوحيد، وغالباً ينضم إليهم كل من جاء يشتري حاجة له، فذاك يشتري التمر وذاك الآخر تستهويه نصية الهريسة، فيدعوهم صاحب الدكان إلى الجلوس، وكانت تحلو جلساتهم عندما يضرم صاحب الدكان نار الكانون ويغلق باب الدكانِ نصف غلقه ليرد (النسمة الشرقية) كما كان الكبار يقولونْ: (نسمة بتقص المسمار، نسمة شرقية بتفوت بالعضام ، برد  كوانين بيهري المصارين …) وإلى ما هنالك من أمثال في قاموس لهجة أهل القرية.

ويجرى في تلك الجلسات تبادل للتبغ البلدي (شك البنت) وتدخين لفائف السجائر التي يتعالى دخانها في الهواء فإذا كان لون الدخان أبيض كثيفاً يكون التبغ جيداً أي حسب تعبيرهم (بدع) يعني اكسترا أما إذا كان كثيفاً ولونه مائلاً إلى الاصفرار تكون النوعية غير جيدة (شِعْطَة)…

هذه التعابير التي كانت متداولة عند تجريب التبغ الجديد وخصوصاً بوجود بعض الأصدقاء الأكثر خبرة بصنعة  التبغ البلدي، فتتضارب الآراء ويحتدم الجدل الساخر بين الحضور الذين يستأنسون برأي الأشخاص الذواقين لنكهة التبغ الجيد كي يدلوا بدلوهم.

 

أما في السهرة فالجميع في بيوتهم  مع الجيران وخاصة في ليالي كانون الأصم كما تقول الجدات، يضرمون النار في مدفأة الحطب ويتعالى صوت غليان إبريق الشاي أو الزوفا وصبها في الكؤوس لتتداخل مع أصوات حكايا الجدات إلى أن يخلد الصغار إلى النوم.

وفي الحديث عن شهر شباط  حسبما أفادنا السيد عجمية كان الأجداد يقولون: (شمس شباط بتعلم ع البلاط) و(شباط مهما شبط ولبط روايح الصيف فيه) و(شباط ما بيخبي شمسو) أيضاً لأن جوه يصحو بسرعة.

وكانت الحماة أيام زمان تقول: (شمس كانون لشيباتي.. وشمس شباط لكنيناتي.. وشمس نيسان لوليداتي).. ذلك أن شمس كانون مفيدة لحرارة الجسم بينما شمس شباط الحادة للكنة لأنها تسمر الوجه أما شمس نيسان فهي التي تسمح للأطفال باللعب والتمتع بالربيع.

وكذلك كان الأجداد يقولون في شهري شباط وكانون (الدروه أغنم من الفروه) لأن جلوس الناس لاسيما المتقدمين في السن قرب الحائط للتمتع بحرارة الشمس يغنيهم عن الثياب الصوفية.

وكانوا يقولون للمتجهمين حين تتبدى السعادة على وجوههم  (ضحك شباط)، وللثقلاء الذين يطيلون الجلوس في مكان غير مرغوب فيهم يقولون (مثل غيمة شباط) ، وفي شباط (يبيض الدجاج على البلاط) لأنه بداية فصل الربيع والتكاثر وكذلك (حلف شباط ما يخلي غسيل برا ) نظراً لشدة الهواء وكثرة الأمطار.

وأيضاً شباط أعار أخيه آذار (عاير ومستعير) ليصبح 29 يوماً في عام و  28 يوماً في عام آخر.

ازدهار علي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار