الفنان سيف أحمد: نصب عمال النظافة تكريم معنوي لهم وتذكير بالقيم الإنسانية التي يمثلونها

الوحدة : 27-1-2021

لاقت فكرة النصب التذكاري لعمال النظافة الذي أقامه مجلس مدينة جبلة استحساناً من مختلف الشرائح الاجتماعية لكونه يمثل تكريماً معنوياً لتلك الفئة الاجتماعية التي ينعكس عملها إيجاباً على نظافة مدننا  والحفاظ على بيئتها وسلامة وصحة سكانها.

وعلى اعتبار أن الأضواء سلطت على هذا النصب فإن ما بقي مجهولاً هو الفنان الذي قام بتجسيد فكرته واقعاً ملموساً يراه كل من يزور الساحة التي ينتصب فيها وهو الأمر الذي دفعنا لزيارة هذا الفنان في موقع عمله الذي يذخر بالعديد من الأعمال الفنية التي تبدعها يد هذا الفنان المبدع ابن مدينة جبلة سيف أحمد الذي يحمل الإجازة بالفلسفة من جامعة دمشق والفنون الجميلة من جامعة اللويزة في لبنان.

تذكير برجال العطاء

بداية سألنا فناننا عن الفكرة التي أراد أن يوصلها من خلال هذا النصب فأجاب بأنه عمل لإخراج هذا العمل بشكل صحيح فنياً وثقافياً ليذكر برجال العطاء الذين يتم تكريمهم في جميع المواقع (الصناعية، العلمية، الزراعية..) ويبقى عامل النظافة بعيداً عن الأضواء وما دفع للتذكير بتلك الفئة كنوع من التكريم المعنوي لها ومن التذكير بالقيم الإنسانية التي يمثلونها والتي غابت عن الذاكرة في ظل ظروف طغت عليها المواضيع المتعلقة بالحرب معتبراً ذلك حق لتلك الشريحة التي تستحق التكريم أسوة بالعاملين في باقي القطاعات هذا التكريم الذي يعد جزءاً من الثقافة العالمية التي تؤكد على أن من يعمل يستحق التكريم إلا بعض التجار الذين لعبوا دوراً سلبياً وخصوصاً في هذه المرحلة الصعبة التي نمر فيها.

وقال أحمد بأنه وانطلاقاً من ذلك وبناءً على طلب مجلس مدينة جبلة عمل لإخراج هذه الفكرة الموجودة عالمياً بصورة محلية معتبراً الدور الذي قام به في هذا المجال دور فني بحت كون البلدية من اختار الفكرة وكونه من جسد تلك الفكرة فنياً باستخدام الحجر الصناعي توافقاً مع الإمكانات المتاحة كون العمل في تشكيله الفني يجب أن يكون من البرونز أو الحجر الصناعي حيث لا يمكن تحقيقه بالحجر الطبيعي أما عن سبب اختيار اللون فهو مرتبط بالسعي لجعل العمل يوحي بأنه مصنوع من البرونز وليس لأي سبب آخر لاسيما وأن اللون الحجري معرض للتشويه بشكل سريع وأن اللون المختار قابل للغسل حتى بمياه المطر وغير قابل للتشويه إلا بالكسر.

ردود متباينة

وأما عن ردود الأفعال على هذا العمل فقال أحمد بأنها جاءت متفاوتة فمنها ما أثنى على الفكرة كونها تعبر عن فئة فقيرة من مجتمع متنوع ومنها ما كانت في اتجاهات أخرى مميزاً في هذا الإطار بين ثلاثة اتجاهات من ردود الأفعال الاتجاه الأول ويمثل رجال النظافة وأهل العلم الذين اعتبروا العمل ناجحاً وجيداً.

الاتجاه الثاني وهو الذي يمثل العامة الذين نظروا إلى العمل من الناحية الإنسانية رغم أنه هدر للمال العام أما الاتجاه الثالث فهو يحمل رأياً سلبياً تجاه العمل باعتباره عملاً لا ضرورة له ويمثل صرفاً للمال في غير محله في ظل وضع اقتصادي سيء يعاني منه الناس.

أما عن التعبير الذي أوحى به العمل فقال أحمد بأن النصب يعبر من خلال العامل الذي يشرب عن الإنسان الذي يحتاج للراحة بعد التعب في حين تبدو على العامل الثاني المعاناة الناتجة عن نقل النفايات وهي الصور التي تعكس معاناة تلك الفئة نتيجة لطبيعة عملها التي تستحق التكريم والمعاملة الخاصة من المجتمع.

أعمال متنوعة

وأشار محدثنا إلى أن النصب ليس العمل الوحيد الذي قدمه لمدينته التي يحب (جبلة) بل أن هناك العديد من الأعمال الأخرى المنتشرة في أرجاء تلك المدينة ومنها ساحة الجرات الفينيقية في آخر الكورنيش والأعمدة الرومانية في حي الدريبة عند مدخل باب الحارة إضافة لنصب الشهيد عند دوار جسر البرجان وتمثال الجندي في ساحة العمارة والأقواس في ساحة العلبي وغير ذلك من الأعمال الأخرى على الصعيد المحلي والتي تضاف إلى مجموعة من الأعمال المنتشرة في 15 ساحة من الساحات العامة في لبنان إضافة لتمثال طائر الفينيق الموجود في مدخل مشفى الأسد في اللاذقية.

تكامل الفلسفة والفن

وعن سبب اختياره الفن وعدم عمله في مجال دراسته الأساسية الفلسفة يقول أحمد بأنه ومنذ الطفولة كان يسعى للجمع ما بين الفن والفكر وقد درست الفلسفة ولم أطلب العمل الوظيفي على أساسها بل وظفت الفن لتطبيق أفكاري على اعتبار أن الفن بدون فكر فن فارغ ويمثل حالة جامدة غير إنسانية فالإغريق كلهم كانوا فنانين وفلاسفة على اعتبار أن الفن والفلسفة يكملان بعضهما البعض والفنان المبدع هو الذي يمتلك القدرة على تحويل الفكرة إلى عمل فني من خلال أدواته والحضارة الإنسانية قائمة على المبدعين الذين يشكل من يعمل في مجال الفن طليعتهم ولعل الآثار التاريخية الموجودة في كل دول العالم لم تكن لتوجد لولا الفنانين الذين أبدعوها وأضاف أحمد بأنه يجد نفسه في الفن وهو لا يسعى إلى الشهرة ولذلك فإن اسمه يغيب عن أعماله كلها وذلك انطلاقاً من إيمانه أن الفن يجب أن يكون لخدمة المجتمع وليس للشهرة فقط وأن الفن لا يجب أن يبقى في البيوت والمعارض بل أن يكون متاحاً أمام الجميع وهو الأمر الذي دفعه لجعل كل أعماله في متناول العامة انطلاقاً من السعي لجعل الفن رسالة اجتماعية إنسانية تهذب النفس وتطور الثقافة مؤكداً أن طموحه على مستوى محافظة اللاذقية يتضمن العمل من أجل وضع عدة أعمال ترمز إلى التاريخ الفينيقي في بعض الساحات العامة للمدينة وذلك كنوع من لفت النظر إلى التاريخ الفينيقي الذي انطلق منها ناهيك عن الهدف الثقافي الكافي في لفت أنظار المعنيين للتوجه باتجاه الثقافة الفنية وتأكيد دورها وتأثيرها في المجتمع فالكثير من البلديات تصرف الملايين على مناسبات وأعمال غير مقروءة أو متابعة ومن الأجدر صرف هذه المبالغ على إنجاز أعمال فنية للحصول على نتائج ذات مفعول دائم ذات رمزية نحن في أمس الحاجة لها اليوم.

أما على مستوى مدينة جبلة حيث يوجد عدد كبير من الفنانين والرسامين فأعرب أحمد عن أمله في تخصيص هؤلاء بساحة في إحدى الحدائق لعرض منتجاتهم وتسويق انتاجهم لكون أكثر الفنانين ينتظرون فرصة للمشاركة في معرض لعرض هذا الانتاج لافتقارهم إلى المكان الذي يعرضونه فيه.

مقترحات لدعم الفن و العاملين فيه

كما وقدم الفنان أحمد مجموعة من المقترحات التي من شأنها دعم الفنانين وتحسين مستوى معيشتهم قد شملت تلك المقترحات دعوة كل بلدية أو جهة عامة لتوظيف حملة شهادة الفنون الجميلة الذين يملكون من الرؤى التي تفيد العمل وتدعم عمل المهندسين وضمان مشاركة أكبر عدد ممكن من الفنانين في إعادة الإعمار وتخصيص كل فنان معترف به رسمياً براتب شهري يضمن له الحياة الكريمة بالحدود الدنيا إضافة لاقتراح تكريم الشخصيات العامة بمنتج فني بدل شهادات التكريم الورقية وذلك كنوع من إيجاد مصدر عيش وعمل للفنانين.

وختم أحمد حديثنا معه بالتأكيد على ضرورة التشجيع على العمل الفني أسوة بالتشجيع على الرياضة وباقي المهن و النشاطات الأخرى لما لذلك من ضرورة على صعيد المجتمع وعلى صعيد الحياة الروحية والثقافية للفرد.

نعمان أصلان

تصفح المزيد..
آخر الأخبار