دعوة للقراءة …المجموعة القصصية «تاج الملك والنحلة المغرورة» جماليات التعبير الوفي لمعجم الأطفال والتأكيد على القيم التربوية والإنسانية

العدد: 9306

6-3-2019

كثيرة هي المؤلفات القصصية التي تحاكي عالم الأطفال وتجوب في مداها بين مخيلتهم وتطلعاتهم التي ينسجون من خلالها أحلامهم وأمانيهم في دنيا متفردة الألوان والمشاهد.. وكثيرون هم الكتاب والشعراء الذين برعوا في هذا المجال الحيوي من مجالات الأدب وفنونه فنراهم يعايشون الأطفال في حركاتهم وتصرفاتهم ومواقفهم اليومية ويمسكون بأفكارهم التي يستقونها من واقعهم الخاص الذي لاتحده قواعد ولا قوالب، فيلونون لهم الطبيعة في قصصهم بألوان تخرج عن المألوف ويقدمون لهم النصيحة أو المعلومة من خلال حوار غير منطقي بين مكونات متناقضة شكلاً ومضموناً.. أو قد يرشدونهم إلى القيم السلوكية الرفيعة من خلال مشاهد قصصية تثير مخيلتهم وتحفزها على التحليل والاستنتاج الصحيح للقيمة المراد إيصالها.. هذا هو فن الكتابة الجيدة للأطفال، خروج عن المألوف ومحاكاة حقيقة لعالم الطفل ولكن بكثيرمن الحكمة والاهتمام وبمزيد من الحرص على التعامل مع التفاصيل الممتعة لكل مكوناته. وفي هذا العدد من صفحة واحة الطفولة نرصد هذا الجانب الإبداعي عند الكاتبة سريعة سليم حديد والتي أثبتت من خلال مجموعاتها القصصية الموجهة للأطفال جدارتها في المحافظة على القالب الحقيقي للقصة الطفلية.. ولكن ليس بالمعنى التقليدي بل بأسلوب مختلف يتناسب مع التطور الفكري الذي يعيشه الطفل.

فكما جاء في التعريف عن مجموعتها القصصية للأطفال – تاج الملك والنحلة المغرورة – من إصدارات اتحاد الكتّاب العرب، بأنها كاتبة وثيقة الصلة بعالم الطفولة، وهي على الرغم من انهماكها بجماليات التعبير الوفي لمعجم الصغار، نراها تؤكد على قيم مدروسة، من خلال أهداف اجتماعية وتربوية وإنسانية، وقد حققت بذلك رغبة الطفل في أن يجد القصة التي يحبها، فترضي ذوقه، وتغني خياله وتفتح أمامه أبواب المعرفة والإبداع. وقد جاءت المجموعة في 90 صفحة من القطع الصغير، والغلاف للفنان هادي نجم الدين. وفي قصتها والتي تحمل عنوان مجموعتها – تاج الملك والنحْلةُ المغْروْرة – توظف الكاتبة الكائن غير الإنساني في قصتها لإسقاط معانٍ إنسانية على السرد من خلال علاقة نحلة بزهرة صبار، مع التركيز على اختيار ذلك التناقض الصارخ بين تلك الرقة للنحلة وبين المظهر الخشن والقاسي لزهرة الصبار. . ويمكننا أن نسمي ذلك النوع من السرد بأنسنة الكائن غير البشري وهو غالباً ما ينتشر في قصص الأطفال، لكن عند الكاتبة سريعة سليم حديد يختلف السرد هنا إذ لم تكتف بإيصال جوهر الفكرة بشكل بسيط بل صورت صراعاً مستمراً وشكاً يجعلنا نعتقد أن ثمة صراعاً سوف ينشأ بين الطرفين، والقصة في الواقع تتلخص في محاولة زهرة الصبار أن تجتذب النحلة، إذ تشعر الأولى بأنها مخيفة بسبب شكلها فلم تجد غير أن تقدم لها زهرة كهدية لاجتذابها، لكن الشكوك تدور حول النحلة حيث تخشى الاقتراب منها إلا أنها تكتشف أن زهرة الصبار فعلاً تطمح لصداقتها، فتقدم لها زهرة لتمتص رحيقها فتدرك أن المظهر الخارجي ليس دليلاً على حقيقة الأعماق بل ربما نرى العكس. إنها مجموعة جديرة بالقراءة مع التركيز على التفاصيل والمشاهد والحوارات التي لاتخلو من جماليات لغوية ولوحات فنية عبر مشاهد تصور الطبيعة بريشة فنان مبدع ولا نغفل الحوار الشيق والممتع وما يقدمه من قيم أخلاقية سامية تتجلى بأسلوب راقٍ بعيد كل البعد عن العبارات المباشرة واللغة الخطابية المملة. ومن المؤكد أن هذا الإبداع لم يأت من فراغ، فالكاتبة سريعة سليم حديد قد قطعت مشواراً عامراً بالعطاء في هذا المجال فحين نتصفح سيرتها الثقافية نجدها مفعمة بالمشاركات والجوائز، فقد أصدر لها اتحاد الكتاب العرب أربع مجموعات قصصية للأطفال هي – زهرة النرجس – عام 2008 و- تاج الملك والنحلة المغرورة – عام 2010 و- الأجراس البنفسجيَّة – عام 2013 و- مدينة بلا عصافير – عام 2014، كما فازت الكاتبة بجائزة وزارة الثقافة في قصَّة طويلة للأطفال بعنوان – شدوان والدفتر الأحمر – عام 2008 وصدر لها مجموعة قصصيَّة في القاهرة بعنوان – حبَّة التوت – عام 2014 ولها عدة كتابات في مجال المسرح.

وعن تجربتها في الكتابة للأطفال قالت الكاتبة في أحد اللقاءات معها: هي تجربة فيها الكثير من المتعة، فهي تحتاج إلى دراسة دقيقة لكل جملة تُكتب، وإلى معرفة كيف لنا أن ندخل إلى قلب الطفل ونقنعه بما يرغب ويحب، كيف لنا أن نوفر له المستوى الجمالي اللائق بذوقه وعقله، كيف نضحكه ونوجهه ونرسم له عالماً يناسب إدراكه ويجعله يستمتع بما يقرأ… خاصة في ظل موجة التقدم التكنولوجي الحديثة. فكاتب الأطفال الآن يختلف عن كاتب الأطفال في الزمن الفائت، إذ يجب أن يأخذ بعين الاعتبار القدرات العقلية الكبيرة التي نمت لدى الطفل اليوم والتي تختلف مئات الدرجات عن القدرات العقلية لأطفال ما قبل التكنولوجيا.
بقي للقول: إن الكتابة في مجال أدب الأطفال ليست بالأمر السهل، فالكاتب عليه أن يرضي ذائقة شريحة غضَّة نضرة لا تقبل التزييف أو اللعب بمكوناتها الفكرية الحساسة. فهذا النوع من فنون الأدب – قصص الأطفال – مادة ليست سلسة أو سهلة إذ ينبغي أن تتوافر بمن يكتبه مجموعة من المواهب والشروط الأساسية ليتمكن من تقديم كتاباته للأطفال بعرض جميل يشد انتباههم ويستطيع أن يجعل تلك القصص أكثر جذباً من وسائل الاتصال الحديثة، ويرسل دورساً تقويمية لسلوكهم دون استخدامه للأسلوب الخطابي المباشر .

فدوى مقوص

تصفح المزيد..
آخر الأخبار