كل ما تغيم اعلم أنها شوربة!

الوحدة: 23- 11- 2020

 

وها قد جاءت الشتوية ليطيب لأمهاتنا تحضير الشوربة وعلى قول ابن عمتي (بس تغيم الدني اعلم أن أمك طبخت شوربة اليوم) ولك أن تصوم،  فما قصة الغيمة والشوربة وهل من علاقة بينهما؟ وماذا يمكن أن نسميها؟ إلى اليوم لم نجد الجواب الصحيح رغم طرحنا له على عدة أشخاص بمختلف الأحجام والقياسات بالشكل والفكر والبحث، إلا أن عند جدتي أم عزيز جواباً له في الحلق ذوق رفيع وسكر وتين فتقول: كان علينا صباح كل يوم في الشتاء وعلى نار حطب الموقد (الثفية) طبخ قدر كبير من شوربة العدس المقلاة بزيت الزيتون والبصل، فهي دافئة تبث الحرارة في الجسم وتنشط لما فيها من حديد كما أنها مشبعة مع التين المجفف الذي كنا نقدمه بوعاء من قش سنابل القمح يسمى (جمام) يرافقها على الدوام، وهو ما يعطيها نكهة خاصة تبقى في الحلق وعلى اللسان سكراً وطيباً لا يقاومه أي إنسان، وكل من يحضر إلينا في الصباح يأكل منها ليدس في معدته بعض الزاد، هذا كان فطور كل يوم، ونكون قد حضرنا مونة الشتاء من العدس المجروش الذي زرعناه في الحقول وعبأناه في (العنبر) بأكوام، كان الخير كثيراً ونمد به من لم يستطع له سبيلاً، وليس اليوم الذي فيه غول الغلاء يضرب العدس وسواه بالمغيب عن المطابخ والذي بلغ ذروة الارتفاع ولا يقل الكيلو عن 2200ليرة ولا يكفي لطبخة واحدة مثل أيام زمان،كما أن التين المعمر كان (كب)  وببلاش ليس له سعر ويقطفه ويحصل عليه كل من وجده في دربه،كنا (نسطحه ونمده) على أسطح البيوت الترابية وفوق أغصان نبات (الشمبوط) إلى أن يجف تماماً ثم نغلي الماء ونبخره للتعقيم وإبعاد انتشار الدود فيه، ليس كمثل اليوم  قد قل واختفت منه البيادر والحقول وأصبح من الصعب الحصول عليه بغير السوق الذي يأتي سعر الكيلو فيه 5آلاف ليرة وما فوق حسب الجودة والتصنيف، الله يرحم أيام زمان، اليوم ما حدا بحب شوربة العدس ولا يعرف قيمتها، وإن طبخت بالشهر مرة عند بناتي يكون يوم عصيب عليهن من الزوج والأولاد ليصيح كل منهم (شو هي أكلة )

بطلت هذه العادة التي  ورثتها الأمهات من الجدات وقد اختلفت اليوم ولم تعد الشوربة إلا من المكملات وعلى هامش الوجبات يدعون أنها من المقبلات لا تسمن من جوع كما أنها تصب بأكواب بعد هرسها في الخلاط الكهربائي لتكون كالماء وتشرب مع الطعام وهنيئاً وشفاء فإذا لم يكن الواحد منهم مريضاَ ومصاباً بالحمى والكريب لا يمس كوب شوربة العدس الصفراء المشبعة بأشعة الشمس الذهبية التي فيها الصحة والعافية من كل داء، وقد اختلفت ألوانها وأشكالها واستبدلها بشوربة ماجي أو الفطر أو الدجاج أو ..غيرها وحسب مصطلح كل عائلة وعلى الذوق وقد ورثها عن أمهات النت وأصحاب المطابخ العالمية والمطاعم البعيدة عنا بأميال وأضعاف، ويشكو أمراضاً كثيرة اليوم ولا يعرف السبب، أنه ابتعد عن الطبيعة والأرض التي يعيش عليها ومواسم الخير المتوافرة في تربتها واستبدلها بأصناف من أرض غيرها فكانت في جوفه ولأمعائه اغتراب.

هدى سلوم

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار