الوحدة: 9- 11- 2020
ثمة ملتقيات ثقافية أو أدبية لاترتقي إلى مكانة الثقافة و الأدب , و لكن لولا حضورها في السنوات الأخيرة لتمزق المشهد كلّه و لغابت كل ركائزه …
أسماء مكررة على المنابر و على صفحات الجرائد , و بحكم التكرار اكتسب معظمهم تسمية ( شاعر أو قاص … إلخ ) , بل و رحنا نقدم لهم ب ( المبدع ) , وغير ذلك من الأوصاف الفضفاضة
هذا المبدع الذي يسكت فجأة , و يومئ برأسه أن صفقوا لي , فتلاطم على حياء أكف من ( 5-10 ) أشخاص حاضرين بمن فيهم منظمو الملتقى أو الفاعلية
هذا ( المبدع ) من الطبيعي أن يؤمن ب ( إبداعه ) لأنه إن تلفت حوله لن يجد إلا من هو مثله أو أقل منه شأناً , و بالتالي فمن حقه أن ( يغتبط ) , و بإمكانه أن يشكر متابعيه فرداً فرداً لأنهم ليسوا كثيرين
لاعلاقة لما تقدم بما سنذهب إليه إلا من حيث ( التوطئة ) و إيجاد أرضية توضح ما أنتجه ( الغياب الثقافي ) و بالتالي يبرر مخاوفنا من الآتي …
في عهد ( ربيع الزعران ) و الفوضى التي أصابت المنطقة العربية كثرت المواقع الالكترونية و الصفحات و المجلات و الصحف التي تسمي نفسها ( أدبية أو ثقافية ) ووجدت نفسها كالنار لا تفرق بين البخور و القمامة , فراحت تنشر كل ما يصلها , و قد آلمني أني قرأت في مجلة عراقية ( الكترونية ) ما أسمته ( قصيدة ) لمن وصفتها ب ( شاعرة من سورية ) آلمني ما في ( قصيدتهم ) من أخطاء نحوية و إملائية , لكن و الشهادة لله أن صورة ( شاعرة سورية ) التي تصدرت غلاف تلك المجلة كانت جميلة جداً !
يزعل ( شعراء ) الألفية الثالثة إن لم نحتفل بهم , و يتوقع أي منهم أن يوقفه المارة في الشارع ليأخذوا صوراً تذكارية معه ( أو معها ) , و يفاجئنا زائر أو زائرة إلى جريدتنا ب ( كتيب ) يقول إنه إصداره الخامس أو العاشر , و نحن المهتمين , لم نسمع باسمه …
حالة فقدان الهوية الثقافية كلنا مسؤولون عنها , و بالدرجة الأولى وزارة الثقافة و مديرياتها ووسائل الإعلام …
اعتلاء المنبر ليس مهنة , و لا يحق لكل من يريد أن يفعل ذلك , ولاتظهر الطحالب و نباتات الظل ما لم تقتلع الأشجار الكبيرة أو تحرق , و يبدو أن ذلك يتم عن سابق عمد …
عندما يكثر الصراخ على المنابر فمن الطبيعي أن يبقى الذواقون في بيوتهم …
أذكر أنه في بداية تسعينيات القرن الماضي دعت مكتبة الأسد الوطنية بدمشق إلى أمسية شعرية للشاعر الاماراتي مانع سعيد العتيبة , فإضافة إلى القاعة الرئيسية في المكتبة , و الفسحة الكبيرة أمام مداخلها اكتظت الشوارع الملاصقة لها بالناس فوضعوا مكبرات صوت من أجل لأن يستمتع الجميع ب ( الشعر الحقيقي ) , هذا الشاعر ( الرقيق ) غنت له مطربتنا الكبيرة ميادة الحناوي الكثير من قصائده و منها قصيدة بعنوان ( بكاء الحبيب ) يقول فيها :
ما للحبيب … أهمٌّ فيه يشقيهِ
أم أنه الحبً أبكاني و يبكيهِ
إن كان حبّي له هماً يعذبه
سأكتم الحبً في قلبي و أخفيهِ
أو كان دمعي الذي أخفيت يحزنه
سأنكر الدمع في عيني و أنفيهِ
عفواً حبيبي , فما للحزن قد خلقت
هذي العيون , ولا للدمع تجريهِ
إخفاؤه السرً عبء قد ينوء به
من يحمل الجمر في كفه سيكويه
لو كان عندي جناح الطير لانطلقت
روحي إلى ذلك الباكي تواسيه
و تحمل الفرحة الكبرى .. تزرعها
في كل درب حبيب القلب يمشيه
يخجل العمر و نخجل أيضاً حين تكون التسمية نفسها لشاعر عذب الألفاظ مثل مانع سعيد العتيبة و ل ( جلاًد منبر ) يزعل إن لم نصفق له !
يقول الشاعر السوري الكبير فايز خضور :
كسرة خبر تكفيني
لو تتأتى لي من غبار النجوم
وأرتوي ,
لو مرّ بي هاجس
يحمل في نواياه
رائحة المطر
أبعد تلك النفحات قول ؟ لماذا علينا أن نسمع الهراء أو لانسمع أبداً ؟ أين فايز خضور و كوليت خوري و أنيسة عبود ؟
لماذا يطمر ( العمالقة ) و تجلجل في الصباحات أصوات خير من سماعها ( الطرش ) !؟
جلسة استماع إلى تسجيل بصوت نزار قباني أفضل ألف مرّة من نشاط ثقافي فارغ من أي إضافة أو جديد فقط لأن هناك برنامجاً سنوياً يجب أن ينجز !
كل من سيقرأ هذا المقال سيضع نفسه مع نزار قباني على مقعد إبداع واحد , و يعتقد أنه غير مقصود بهذا الكلام
لذلك سنقول بكل ( الوقاحة ) أنتم المعنيون , و لكن الذنب ليس ذنبكم : بل هو ذنب من أعطاكم ( الميكرفون ) و قال لكم : لاف ضفوكم !
أعتذر من كل من يدعوني إلى أي نشاط أدبي أو إلى حفل توقيع كتاب لأني لا أستطيع أن أكون اثنين , و من زين سمعه بعذب الكلام لا يقبل فيه أو له تبديلاً …
قد أطال الوقوف حين رآني
ليلم الأشواق عن أجفاني
فادن مني .. وخذ إليك حناني
ثم أغمض عينيك حتى تراني
الذاكرة غنية بكل ما هو جميل , و من يعش الغنى الفكري و الثقافي لا ينزلق إلى ما يلوث الروح من استسهال ولا قيمة .. المعذرة .
غانم محمد