في مواجهة الذات مع (مايسترو) في عرض مسرحي

الوحدة 3-11-2020 

 

 ضمن علاقاتنا الني تتفاعل مع الظروف نخلق مجتمعاتنا وأممنا, والتي بدورها تنعكس على علاقتنا ضمن منظومات فاعلة تأخذ الهيئة الحضارية عندما تبني الإنسان أولاً وتأخذ هيئة متخلفة وتتجه نحو موت ذاتها عندما تلغي دور هذا الإنسان العقل البشري هو من يسمو بشريعة الحياة ليرقى إلى قدسيتها, أما عندما يصيب هذا العقل الفساد يصيبه التشوه, وتختلط المفاهيم لتخلق عوالم مريضة, كئيبة ,تصدّر للتاريخ صوراً مؤلمة دائماً وتكون عالة عليه المكاشفة، والنقد والبناء هما الفاعلان الأساسيان لبناء الأمم ورقيها, وعندما يغيب الصدق يعيث النفاق والفساد في الساحات ليخلق عوالم مهمشة مهشمة تصدر الموت وتصير عالة على الإنسانية.

(مايسترو) مكاشفة صادقة وشفافة في عمل مسرحي يقوم على إخضاع العقل في لحظة الحقيقة وهي الموت, عندما ينجلي المستور وتظهر العلاقات المهترئة الفاسدة المختبئة خلف الأبواب, في مواجهة مع الذات ومع الآخر ضمن تفاعلية أخلاقية لوضع الأمور في نصابها الحقيقي, هي مرآة لواقع يتجلى كل يوم أما ناظريه, هو وجع تغص النفوس به وتحاول الخلاص.

على مسرح دار الأسد باللاذقية تم عرض المسرحية يوم الخميس الماضي بحضور جماهيري لافت, عكست تميز العرض من ممثلين وفنيين وإخراج، فالنص للكاتب سجيع قرقماز والإخراج للمخرج الفنان لؤي شانا قام بالتمثيل كل من فايز صبوح، محمد أبو طه، ألسار صقور بدور زوجة المتوفي أمين، قاسم عبد الحق، لمى غريب، أشرف خضور، آية سليمان، خالد حمادة، منال الشيخ، مع مشاركة طلاب مسرح القباني للفنون المسرحية أما الفنيون فهم مخرج مساعد غادة إسماعيل، تصميم الديكور سنان اسبر، تصميم وتنفيذ الإعلانات مجد يونس أحمد، تنفيذ الصوت رامي قواص، تنفيذ إضاءة آلاء إسماعيل، تنفيذ الديكور مالك يوسف، تركيب إضاءة ماجد حسان، ماكياج آلاء شعبان، غدارة منصة، ربا عبود.

حول هذا العمل كان لنا حوارات جانبية نضيء أكثر مع صناع هذا العمل…

لؤي شانا مخرج العمل ويشارك فيه بدور المايسترو، المواجهة مع الذات والآخر كيف صاغه هذا العمل المسرحي؟

– المواجهة مع الذات والآخر هي لنا جميعاً ولكل قطاعات المجتمع, كلُّ شخصٍ منا مذنب مع ذاته أولاً ومع وطنه ثانياً, فأي أحدٍ منا يتقاعس عن خدمة أخيه الإنسان أعتبره تقاعساً بحق ذاته أولاً, ونحن عندما تكون لنا أخطاء في المجتمع ولا نشير إليها أيضاً هو تقاعس, هذا العمل المسرحي محاولة نقدية لنماذج اجتماعية وسياسية واقتصادية كثيرة, هذه الدائرة التي تشكل الخلل والفساد في مجتمع ما وزمن ما لابد من أن نشير إلى مكامن الخلل والفساد فيها, لأننا لو لم نشر إلى مواقع الفساد فنحن شركاء فيها وهو حصيلة لسكوتنا, وأقول بأن هذا العمل هو صرخة من قبلنا نحن فريق العمل من مؤلف ومخرج وممثلين وفنيين لنقول: كفى, فهو محاولة لتعرية النماذج الاجتماعية التي تغير البنى الأخلاقية العامة والخاصة.

ما هي المساحة المتاحة للمخرج لتحريك النص بإيقاع يدعم النص ويعطيه زخماً إبداعياً أكبر؟

 – بداية الفكرة والنص اللذان يطرحهما المؤلف هما الأساس في أي عمل مسرحي, أنا استهوتني الفكرة وعملت عليه بطريقة الإعداد وفجرت هذه الفكرة إلى أفكار لنصل إلى عمل أعتقد أنه متميز كما رأيته من حفاوة الحضور والإقبال الجماهيري وتفاعله معه, لأن العمل هذا يلامس همومنا جميعاً, حيث عبرنا عن آلام وآمال الناس،  والمخرج هو مؤلف آخر للنص، فالرؤية الإخراجية لا تُعَلّمْ بقدر ماهي موهبة حقيقة، فالدراسة الأكاديمية وأنا خريج المعهد العالي للفنون المسرحية هي حجر الأساس بالطبع لكن الرؤية الإخراجية هي نظرة تفاعلية مع تفاصيل العمل من جميع زواياه, فالإخراج هو عملية إنتاج وإبداع كالشاعر والروائي والفنان فيها إلهام ما, وأنا عندي دائماً رؤيتي الخاصة التي أعبر فيها عن مقولة النص, يتكامل هذا العمل مع مجموعة أعمالي التي قمت بها, وأقول بالنهاية: إن الأساس في أي عمل أو مشروع هو الإنسان في كلّ زمان ومكان.

– مؤلف العمل سجيع قرقماز: هذا العمل هو تعبير عن الأزمات عندما تخلق فروقات غير طبيعية بالمجتمع وخصوصاً عندما تكون أزمات سياسية وعسكرية كالحرب المؤلمة التي مرت على سورية, وما تعكسه من أزمات اقتصادية واجتماعية وأخلاقية, هذه الأزمات بشكلٍ تدريجي تعمل خروقات وأزمات أكبر في علاقتنا الاجتماعية التي أصبحت هشة بطريقة مرعبة زادتها أزماتنا الاقتصادية لتكوّن علاقات غريبة وبعيدة عن القيم والبنى الحضارية، والفن برؤيته الصادقة هو الذي يقوم بكشف هذه التفاعلات وانعكاساتها المختلفة في المجتمع, في هذا العمل الذي يدور حول شخص متوفى هو أمين, وفاته هذه خلقت مكاشفة حقيقية مع الذات ومع الآخر بإظهار بواطن الأمور وحيثيتها المختبئة من وراء علاقاته بمحيطه من زوجته وابنته وأصدقائه وعمله وآلية تعاطيه معها التي كشفت المجتمع المزيف الذي كان يتعامل معه بزيف غلّف تعامله هو أيضاً مع هذه الدوائر الاجتماعية التي تعامل معها, حالة الموت هذه جعلته يعمل كشف زيف المجتمع وفساده ودماره.

المسرح أكثر من (أبو الفنون) بالنسبة لي…

وبدوره الفنان المتميز فايز صبوح بدأ مرحبًا بنا لتواجدنا في هذا العرض المسرحي، ووصف دوره بأنه عبارة عن رجل مهم كمنصب أما كصحافة وأدب فهو لا شيء  (سيناتور الصحفيين) كأي مسؤول في وطننا العربي انتهازي ووصولي ومنافق، وعندما سمعت بأن الكاتب متوفٍ (أمين) أسارع للتظاهر بالحزن من أجل الحصول على الوثائق، وكل الحزن والأغاني التي بكيته فيها لا شيء لأن المستمسكات بحوزة صديقته، فشخصيتي ببساطة عبارة عن كوميديا سوداء ملتزمة.

– أشرف خضور الذي يقوم بدورسيناتور الكتاب قال لنا:  شخصية سيناتور الكتاب يمثل دور أقرب إلى المسؤول المنافق الذي عندما علم بوفاة صديقه أمين تظاهر بالحزن عليه للحصول على بعض الأوراق الخطيرة التي كان يمتلكها كإثبات ضد سيناتور الكتاب ويقوم دوما بابتزازه بها، وكيل مديحه لأمين فقط للحصول على هذه الوثائق لكي يبعد عنه أي خطر ويبقى في منصبه الذي وصل إليه بفضل أمين، لكن السيناتور يصدم بأن هذه الوثائق كانت بحوزة صديقته التي عرت كل الوجوه المنافقة وكشفت فسادهم.

– محمود أبو طه يقوم بدور رجل الدين الفاسد قال لنا عن دوره وعن دور رجل الدين عندما يدخل اللعبة السياسية: الشيخ هنا في هذا العمل يمثل بعض رجال الدين الذين يدخلون بآلية النفاق الموجودة في هذا العالم, حيث يكون جزءاً من السلطة, ومقولة العمل لسان شخصيات العمل وارتباطها بشخصية متوفاة, وفاته كشفت جملة العلاقات الفاسدة التي شكلها هو وعلاقاته التي ارتبط بها, وكان منهم المرأة الفاسدة أو ما يسمى بالعاهرة التي في لحظات نفاقهم المحموم عند الدفن تقوم بمواجهتهم مع ذاتهم ومع القيم السائدة في توصيف واقعي لمفهوم العهر الحقيقي التي يتمثل بالفساد والذمم السيئة التي تتعامل مع بعضها في دائرة من القيم الوضيعة تقود لخراب المجتمع.

في التحضيرات للعمل قمنا به مع مجموعة من الزملاء الفنانين بورش عمل لحفظ الأدوار ثم العمل على آلية إظهار الشخصيات بما يناسب مقولة النص المسرحي التي تجعل من هذه الشخصيات حلقة متكاملة مع مجموعة فاسدة تشوه بنى اجتماعيو وأخلاقية قائمة

ورداً على سؤال:  هل المسرح السوري ما زال بعافية؟

قال:  للأسف لا! بعض العاملين في المجال المسرحي هم الذين مازالوا بعافية, أي نستطيع أن نقول هي عبارة عن جهود فردية ذاتية ما زالت تحمي وجود المسرح, فنحن كمسرحيين نعاني من نقص الأجور والمكافآت قياساً بالجهد المبذول ونتمنى من وزارة الثقافة النظر إلى هذا العمل وخاصة أن العروض المسرحية السورية التي تنال الجوائز الذهبية في كل المهرجانات الخارجية منها والعربية, ونتمنى أن تكون هناك آلية عمل موّجَّهة تهتم بالفن والفنانين, لأن الفن هو مرآة المجتمع ومقياس حيوتها وحياتها.

– ريم درويش في دور المرأة الفاسدة أخلاقياَ وبسؤالها عن دورها، كيف قمت بتجسيد هذه الشخصية والصرخة للسقوط الفكري في مواجهة الإنسانية ومقارنتها مع الواقع الحالي المتناقض؟

قالت:  هذه الشريحة الاجتماعية وما تحتويه من تناقضات تحمل في طياتها الكثير من الظلم والقهر, الظلم لذاتها أولاً ومن ثم للقيم الاجتماعية التي تعكسها, فهي في المحصلة وفي أغلبها شرائح اجتماعية مظلومة اضطرتها الظروف للسير في طريق خاطئ أساءت إلى نفسها أولاً قبل أن تسيء إلى الآخرين, لكن في عالمها هذا تكشف العوالم التي تتعامل معها وتدنو منها, هذه الشريحة قد تضم أشخاصاً متعلمين وخيّرين ومثقفين لكن الظروف كانت ضدهم كثيراَ قادتهم إلى طريق الخطيئة, هذا الطريق مع متاعبه يكشف خبايا المجتمع ليقول في محصلة من مكاشفة بأن العهر الجسدي حالة جزئية ضمن عهر أكبر هو الفساد الذي يخرب المجتمعات وينهيها، هذه الشخصية التي أجسدها في هذا العمل إنما توصل للجمهور رسالة, هذه الرسالة بمثابة اعتراف لها ولكافة الشرائح المتناقضة والمتفاعلة مع بعضها ضمن دارة معقدة من العلاقات خلقت عالماَ فاسداً, كاذباً, فهي عرّتْ الشخصيات المختلفة من الناحية الفكرية والنفسية وكشفت النفاق الديني والسياسي والاقتصادي وبالتالي الاجتماعي التي تدعو إلى النبل في خطابها وإلى الفساد والدناءة في أفعالها, هي حالة المجتمعات المريضة التي يجب أن تعالج نفسها وسريعاَ وإلا فموتها محقق.

سلمى حلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار