حكايات محروقة تنتظر الإثباتات… الثروة الحراجية قضية تستحق الدراسة باهتمام أكبر

الوحدة 28-10-2020

 

 

ما زالت رائحة الدخان عالقة بأنفاسنا, ومازالت حكايا النار تتردد على الألسنة, ومازال الأسود يغطي الكثير من جغرافيا غاباتنا المأسوف على خضرتها..

ما حدث لا يطوى مع إخماد الحرائق, ولا مع الندوات التي عقدت ل (تعليم) الفلاحين كيف يتعاملون مع نتائج الحريق, فهم – أي الفلاحين- أكثر خبرة من الجميع في هذا الشأن, ولا نعوّل أو يعوّلون إلا على جهدهم الشخصي, فبالنهاية ما احترق هو مصدر عيشهم ومورد رزق عائلاتهم, وبالتالي لن ينتظروا من يقول لهم ماذا يعملون…

من حكايا النار أنه كان من المفترض كبح جماح النار بصورة أفضل مما كان لو أن الواقع على الأرض متطابق مع ما هو موجود في التقارير السنوية من أعمال وتأهيل واستعداد, لكن يبدو أن (رشة) بهارات ليست قليلة تصبغ هذه التقارير وتحرفها عن الحقيقية..

في موجز الحكايا التي تصلنا, والتي ننتظر الدليل على بعضها لننشرها كاملة أسئلة بسيطة, وأمنيات أكثر بساطة كأن يقال: لو أن هناك طريقاً زراعية بطول (10)كم في المنطقة الفلانية لاقتصر حجم الضرر على (25%) مما حدث..

سنفترض الأرقام دقيقة والمعلومة صحيحة, ونسأل: من سيُحاسب فيما لو أثبتنا ذلك, خاصة إذا كان الأمر مطروحاً وجوبه بالرفض أو بالتأخير؟

وماذا لو أنّ (التركس) الذي كان مشغولاً بأعمال (خاصة) عن اندلاع الحريق في مكان ما, ماذا لو كان هذا الكلام صحيحاً فعلاً, وأنه بسبب غيابه تضاعفت المساحة المحروقة في ذلك المكان!؟

 

اعتدنا ألا نكتب دون دليل, لذلك نكتفي بالإشارة دون تحديد الزمان أو المكان قبل امتلاك الثبوتيات, فقط أردنا من خلال الإشارة أن نصل إلى:

– يجب ألا يتأخر التحقيق في الحرائق وأسبابها, وأن تُعلن نتائج هذا التحقيق على الملأ, لأن الوجع كان عاماً, ويجب أن يعرف الجميع كيف ولماذا حصل ما حصل..

– بعد تثبيت نتائج التحقيق من حقنا كمواطنين أن نعرف حجم العقاب الذي سيناله المجرمون, وألا توجد أي أسباب مخففة لأي شخص تثبت إدانته…

– قد تكون هناك جهات عامة تتحمّل جزءاً من المسؤولية بسبب تقصيرها أو عدم تقديرها للأمور حقّ قدرها, ويجب ألا تكون مستثناة من المحاسبة…

– بالغ البعض في إسناد المسؤولية إلى (لا مبالاة) أصحاب الأراضي.. لا ننكر أن البعض منهم سبب من جملة أسباب الحرائق, ولكن لا يجوز أن تُقلب المعادلة ويصبح المتضرر هو الجاني..

– الثروة الحراجية مادة تستحق الدراسة باهتمام أكثر.. بمعنى لا يكفي أن نتغنّى بها, وبغنانا بها, فكثرتها واتساعها يتحولان إلى نقمة ما لم نكن أهلاً لحمايتها, وقلنا في مرات سابقة إنها تعادل نفط الخليج بأكمله, وهذا يعني أيضاً أن دورية حراجية أو مخفر حراجي, أو توصيات على الورق كلها عوامل وإجراءات لا تفي بغرض حماية الغابة, ولا نتحدث هنا عن الحرائق فقط, وإنما عن كل ما يُصنف اعتداءً على الشجرة..

– الحراج في سورية تحولت في السنوات الأخيرة إلى (قنبلة) تنفجر كل صيف, ونسأل عن طول طرق النار الجديدة التي تم تنفيذها في السنوات الخمس الأخيرة على سبيل المثال, وعن عدد سيارات الإطفاء وصهاريج الدعم والآليات الأخرى؟

نعرف الظروف التي تحكم بلدنا, والحصار الظالم المفروض علينا, لكن علينا أن نتوقع استمرار ذلك لسنوات طويلة, فما هي الحلول البديلة؟

استفزني أن البعض خلال الأيام الماضية راح يمجّد رجل أعمال لا أعرف اسمه لأنه كسر الحصار, وأحضر أجهزة خليوية سعر الواحد منها (5) ملايين ليرة سورية كما قرأت على (الفيس بوك) بينما لم يفكر لا هو ولا غيره أن يكسر الحصار ويستورد (برغي) لكثير من الآلات (الحيوية) التي تحتاج هذا البرغي..

– القصة ليست سرداً عاطفياً, ولا رقصاً على حبال الوجع, الموضوع الأساسي أننا كأفراد وكدولة خسرنا الكثير بسبب هذه الحرائق, وننتظر العمل الذي يجب أن يكون أكبر من هذه الخسارة, لكن حتى الحديث عن الحرائق خمد, فهل انتهت الحكاية؟

بشكل أو بآخر, يجب العمل على تقسيم الغابات والحراج إلى ( مربعات) أمان تفصلها عن بعضها مساحات فارغة كافية للحدّ من انتشار النيران..

وبشكل أو بآخر، ولو على حساب أي مشروع قابل للتأجيل يجب أن تتلاقى وتتقاطع شبكة طرق تخديمية تسهّل الوصول إلى أي مكان تطاله النار..

وبشكل أو بآخر يجب بتر كل يد تمتد جاهلة أو متعمّدة إلى الغابة بأذى..

يكاد كثيرون – ونحن منهم- أن يجزموا بأن حرائق هذا العام لم تكن وليدة ساعتها, وعلى الأرجح فإن ضمائر مأجورة هي من ألقت فيها عود الثقاب..

ما هو قابل للاستصلاح والزراعة من المساحات المحروقة يجب التفكير به بعيداً عن التشجير الحراجي، والمسألة ليست (عناداً) على مبدأهم يحرقون ونحن نزرع ، فما احترق في يومين سيكلفنا عشرين عاماً ليعود كما كان، لذلك فإنه من الأجدى التفكير ببديل الشجرة الحراجية وبشكل مدروس ومضمون النتائج، والأهم من هذا كله ألا تسقط هذه الجريمة بالتقادم وألا تُسجل ضد مجهول…

غانم محمد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار