الوحدة 28-10-2020
هو مواظبٌ على صالات العزاء، وفي نهاية كُلّ يومٍ، يقوم بتدوين زياراته في سجلٍّ خاصٍ ويقول: طمَأْنِينَتي بالتّنقل ما بين الموت والحياة، ثمَّ يضيف: هكذا هي مجالس العزاء، أتنَّفس فيها كما الأزهار في ربيعها، ولا حياة إلّا لمجالس عزاءٍ يهنّئ بها المعزّون بقاءهم على هذه الدّنيا.
وافته المنيَّة تاركاً دفاتر عزائه، ولا أحد يكترث لموته، لأسبابٍ أهمّها: إنّه ليس وجيهاً أو مسؤولاً، أو يتبعُ لحارةٍ أهلها يُقدِّرون حُسن الجوار، فخرجت جنازته إلى مثواه الأخير كخروج ساقيةٍ من سواقي الصّيف الّتي لا يسمع أحدٌ تدفُق خيوطها الرّفيعة.
على درب الجنازة حدَث ما لم يكن بالحسبان، فقد تأخّرت موارته الثّرى إلى ما بعد العشاء، لوجود جنازتين كبيرتين ألقيتا فيهما كلماتُ التّأبين، فيما كان نَعْشُ صاحبنا على الأرض وحوله ثلاثةٌ من ذويه، أحدهم نجله الوحيد، وهم يُكثرون النّظر و الإمعان في ساعاتهم، بسبب الازدحام الّذي أغلق المرور والسّير إكراماً للجنازتين، فجاء الوقت المتأخّر لزمن هذا المسكين، أقرب لموت منتحرٍ ليله اختباءٌ من الفضيحة! بعودة نجله إلى المنزل، تلقّى اتصالاً قاسياً من زميله في العمل، لوقوف الأخير في الشّارع المؤدّي للمقبرة، وعدم التحاقه بإحدى الجنازتين، وتعود الكبرى لقريب من الدّرجة الرابعة لمديره المباشر.
و يا لها من جنازةٍ!! فقد بدت بالسّيّارة السوداء الغريبة وهي تتقدّم الجميع، مثل قطيعٍ يقوده ذئبٌ، وللحقّ فالكلُّ يدعو للفقيد بجنّةٍ لائقةٍ في العالم الآخر؟!!
نسي الشّاب والده المتوفّي، وراح يفكّر بالمدير وذلك المتوفّى الّذي لا يعرفه، حتّى اهتدى إلى تقديم معونة وفاةٍ يطرق بها باب مديره مع زميل العمل، ولسان حاله: القَدَرُ ما بين يابسٍ وأخضر!
سمير عوض