الوحدة 28-10-2020
في أعداد لا تحصى صار للاتصال أبوابه وأشكاله وقنواته التي تطالعنا على العالم بكبسة زر كما يقال وفي عدد من الثواني نستطيع أن نصل إلى أقصى بلدان كرتنا الأرضية، ومع هذا التنوع المهول، الهائل في الأنماط الاتصالية خبا ويمكن أن نقول إنه غاب ما يسمى بالتراث الشعبي وما يحمله من هوية وخصائص ثقافية لبلد أو أمة أو منطقة أو حتى لقارّة ما، هذا الفن الخاص الذي يعكس أصالة حضارة مرت على أرض وصبغت إنسانها بمقومات وصفات وطبائع تعددت معها الأهواء والأمزجة لتخلق معها عالماً مزركشاً لصورة الإنسان في تنقله الزمني على كوكبة فالفن الشعبي هو الإرث المتراكم عبر تتابعية ثقافية لحركة الأنماط الحياتية بما يتضمنه قص حكائي وشعر وغناء وباس وإكسسوار، يدخل الخيال المأخوذ والمتوارث من الأساطير الدور الأهم حيث يأخذ حيزاً كبيراً فيه، كل هذا بشكل عفوي تناقلته الأجيال جيل بعد جيل بعادات وتقاليد وحرف يدوية يصبّ في عملية إمتاع بصري وعقلي يكرس ثقافة بالثقافة عبر زمن، ويمازج مسير الإنسان في حياته وطبائعه ومزاجيته كرّست وتكرس هوية الشعوب على مر التاريخ لكن في عصر العولمة وانفتاحه الواسع الذي كان من إحدى التوقعات إيصال هذه النوافذ الثقافية الخاصة بشكل أسرع وأوسع لكن في الحقيقة أصبح هذا الفن التراثي يتفاوت بين الخفوت والظهور المتأرجح أو الارتباط بمواسم محددة رغم وجود المنظمات الداعمة والمهتمة بالحفاظ على التراث الشعبي في منطقتنا العربية الزاخرة والمفعمة بهذا الفن، وبإضاءة على واقع حاله المؤلم نراه يخبو في إغفاءة تثير التساؤل أين هو مستقبله ، وهل في طريق إلى الزوال ؟! في وقت لم يستطع المسؤولون ولا النخب الفاعلة أن تدخل في مجال التعامل الصحي والصحيح، أو تطوير آلية التعامل معه أو الإمساك به والسير بما يماشي ويحاكي التطور العالمي مع خطط وتخطيط لآلية التفاعل الفني بطرق تعتمد على مهنية ممنهجة بترقية هذا الفن.
بين الهوية العالمية التي أصبحت تفرض نفسها بثقافة جديدة تتسم بسمات التسويق التجاري العالمي للأفكار والسلع والإنسان وبين الهوية الحقيقة التي جعلت الملامح في ضبابية تغيب يوماً بعد يوم … كيف سيكون شكل هذه الملامح مع التسارع الموحش وتغير الحياة في صورها وأشكالها ؟! وهل سيخلق نمطاً شعبياً جديداً بملامح جديدة ، أم سيغيب ما يسمى الأنماط الشعبية مع فنها ذاك هو السؤال الذي ستجيب عليه السنوات القادمة التي تغير شكل الأرض بسرعة هائلة.
سلمى حلوم