السعران يدمران حياة المواطن…

الوحدة: 27-10-2020

بات بديهياً أن قسماً معتبراً من المجتمع يتاجر بأي شيء يتاح له، ويبرر فعلته بحجة منطقية تحكي عن قسوة الحياة، وتفاقم الوضع المعيشي، وتجعل الضرورات طريقاً لإباحة المحظورات، فيتسلح المتاجر باللا خوف من العواقب، لأن الرادع غير موجود، وآلية مكافحة ظاهرة المتاجرة لا ترقى إلى مستوى الحدث، ليذهب المجتمع (ككل) ضحية لهذه التخبطات، ويدفع الأبرياء ثمناً باهظاً لا طاقة لهم به.

قيل في رفع أسعار المحروقات ما يكفي للتعبير عن انعكاساته الكارثية على يوميات المواطن، فلم يبق صاحب منصة كلامية إلا ومارس حقه في تقريع هذا القرار، وكل هؤلاء يملكون الحق الكامل في استيائهم على اعتبار أن المسألة محسومة لجهة السلبيات التي طفت على السطح من اللحظة الأولى للقرار القسري.

الجزئية التي لم تستوفِ حقها من النقد هي تلك الأحجية التي يصر عليها أصحاب القرار الاقتصادي، ويمعنون في ترسيخها بلا إجالة للفكر، والنتيجة بادية متجلية، لا تحتاج إلى توضيح؟!!.

السعران، أو ما يسمى (المدعوم، والحر) فيما يخص البنزين، والثلاثة أسعار (أفران، نقل، صناعي) فيما يخص الديزل (المازوت)، هما العنوان الحقيقي لمعاناتنا، فهذان السعران يدمران حياة المواطن، ويلحقان به أشد أنواع الأذى، ويمتهنان كرامته على طابور البنزين، وفي كراجات (الانتظار).

رغم وضوح المسألة، يستغرب المسؤول من شدة الازدحام، وتفاقم الحالة يومياً، فالكل يسأل: لماذا ينعدم وجود (السرافيس) في الكراجات؟، ولماذا نشهد هذا الكم الهائل من المنتظرين يومياً؟، ألا يريد أصحاب السرافيس تحصيل لقمة عيشهم؟، وكيف يؤمنون قوت أولادهم من دون عمل؟.

إذا عَدم المسؤولون الجواب، سنكون أمام مصيبة متجددة، وإن أدركوا الحقيقة وصمتوا، وسنكون أمام مصيبة مزمنة تقودنا إلى اليأس والانهيار.

خير الكلام ماقل ودل..

– إن وجود سعرين للبنزين سيخلق سوقاً موازية، وسيبقي على السوق السوداء منتعشة، وإن وجود ثلاثة أسعار للمازوت مع فروقات هائلة بين الأسعار، سيزيد من لهيب المتاجرة بهذه المادة، وسيجعل المنتفعين من السعر المدعوم تجاراً بارزين في السوق السوداء، فالحساب سهل ولن ندخل في تفاصيله كي لا نتهم (بقطع الأرزاق)، وأي واحد منا يمكنه المقارنة بين سعر مازوت الأفران ووسائل النقل، وبين سعر المازوت الصناعي، ليعرف عن أي شيء نتحدث، ويكفينا فقط أن نسأل أنفسنا إن كانت الأرباح مجزية من دون أن يعذب المستفيدون ذواتهم بالعمل؟.

عودوا إلى رشدكم..

العودة إلى الرشد سهلة جداً، والحل أبسط مما نتصور، فهل من مستمع أو مجيب؟.

بكل بساطة، وحدوا أسعار المشتقات النفطية، لتقضوا على السوق الموازية، وقدموا الدعم للمنتج كي تلزموه بإراحة المواطن، فصاحب وسيلة النقل لن يعمل بالمجان، لأن الغلاء الفاحش لكل مستلزمات العمل تعطيه الحق في اقتناص أي فرصة لترقيع حياته، وبإمكانكم إعطاء هذا الشخص ثمن الفروقات التي يكسبها من بيع (بيدون) مازوت، وعندها سيعود إلى العمل طواعية، وستختلف نظرته إلى المسألة، فوحدوا السعر كي ترتاحوا من السوق الموازية، وتوفروا على خزينة الدولة مئات ملايين الدولارات، وعندما توحدونه، ستجدون أن المادة قد توفرت بشكل تلقائي، ولن يتسابق الناس على الطوابير، ولن تجدوا منتظراً واحداً في كراجات الانطلاق، لأن الجميع سيعودون إلى عملهم الطبيعي، ولن تغريهم بعدها متاجرة رخيصة لا تسمن من جوع.

غيث حسن

تصفح المزيد..
آخر الأخبار