من البسيط.. أهالي الفجر يستميتون في إبعاد جحيم النار عن منازلهم

الوحدة : 27-10-2020

هي نفس النار بشكلها ومضمونها وحرقتها، هي نار سيدنا إبراهيم منذ بدء الخليقة، هي نفس النار التي أطلقها هولاكو بجبروته على مكتبة بغداد عاصمة الخلافة العباسية في ذلك الزمن الغابر، هي نفسها النار والحريق الذي التهم مدينة لندن وروما وكذلك مدينة نيويورك وموسكو، هي النار التي أتت على القاهرة، وهذه النيران التي اندلعت بالأمس القريب هي نفسها التي تندلع بين حين وحين، حيث رماد حريق محمية الشوح والأرز في صلنفة لا زال ساخناً وحرائق كثيرة قد اندلعت هنا وهناك، وبعيداً عن ما أحرزته هذه الحرائق من أهوال وفواجع على مستوى الممتلكات، فقد أصابت النفوس والأجساد حرائق قد لا تندمل إلى الأبد.

ومن مناطق البسيط وتحديداً من قرية (الفجر)، كان أهل هذه القرية الوادعة على موعد مع وقعة كادت أن تطال شيبها وشبابها، كانوا ينتظرون القادم القاتل من ألسنة  نيران وأدخنة بدأت تلامس مشارف القرية،  في البداية كان همهم الأوحد هو ابتعاد جحيم هذه النيران عن مزروعاتهم وأشجارهم، لكن عندما وقعت الواقعة والفأس بالرأس تغيّر الطموح والتمني وأصبح أملهم النهائي هو ابتعاد شبح النار السريع  الذي بدأ يتفقد جوار القرية والمنازل القريبة من الأطراف، رجال القرية على استعداد لمواجهة الموت القادم الذي قد يأكل كل شيء وهنا كان لا بد من التحرك لملاقاة النار قبل أن تتمدد إليهم.

السيد فيصل رزوق (أبو منهل) كان وأهل القرية يترقبون همجية النيران وكل أمانيهم بعدم توسّع رقعتها ودخولها بين المنازل، حيث أفاد السيد فيصل أنه كان لا بد من الخروج للملاقاة وقطع الطريق وتهدئة لهيب النيران وإيقاف زحفها،  وبالفعل بدأ مع بعض شباب القرية يقطعون الأحراج بمناجلهم وأيديهم حتى تتوقف النار إلى حد معين، لكن ما حدث هو تغير هجوم النار حيث باغتتهم من الجهة الأخرى وتم حصارهم إلى حدّ ما وفي هذه الحال طلبوا لبعضهم النجاة بأنفسهم فقط دون مساعدة الآخر ووقوع الكارثة على الجميع،  وأضاف السيد رزوق أن من معه من الشباب تعرّض بعضهم لحالات إغماء تام، أما هو فقد تعرّض للعرقلة بسبب الغشاوة وفعل الأدخنة، وبالتالي سقط على الأرض حيث حاول إنقاذ نفسه بعمليات دعكلة على هشيم النيران التي أخذت تنال من ملابسه متجهاً بنفسه عكس ألسنة النيران إلى أن وجد مجموعة من الصخور على منحدر كان لابد من القفز عليها كونها سليمة من النيران وحصل ما أراد ومنجله لازال بقبضته، ثم أخذت صيحات متباعدة من أقاربه، حيث بقدرة قادر تمكن من الصعود نحو ٦٠٠ متر صاعداً بمنطقة آمنة نازعاً ما تبقى من ثياب التحمت مع جلد جسده إلى أن لاقاه أهله وأقاربه، وتم إسعافه من قبلهم واصفاً حالته بعد أن استفاق بحلم طويل، حيث أصابته رعشة هيستيرية مطالباً فقط بالمياه، إلى أن وجد نفسه بين أيدي أطباء المشفى الوطني الذين قدّموا له ما في وسعهم رغم الإمكانيات المتواضعة بالنسبة لهكذا حالات، وتمت عمليات الإسعاف الأولي ليتبين أنه أصيب بحروق من الدرجة الثالثة طالت ظهره وأماكن أخرى من جسده، لكن الأيدي الخيّرة من جمعيات ومؤسسات خيرية طلبت نقله إلى مشفى خاص متخصّص بحالات الحروق الشديدة وبالتالي القيام بعلاجه والاعتناء بوضعه حتى  الشفاء.

السيد فيصل شكر لهم حسن المعاملة وكرم المساعدة، كذلك شكر جهود المشفى الوطني بجميع كوادره لما قدموه من مساعدات طبية وعناية خاصة لحالته، كما وجّه شكره وتمنياته لكل الفعاليات والأشخاص الذين بادروا لتقديم المساعدة والخدمات بجميع أنواعها، متناسياً ما كان يُضمر في نفسه من لوم معين لأناس معينين سواء أثناء اشتداد النيران حولهم أو في عمليات الإنقاذ والإسعاف لكنه فضّل السكوت لترتاح الأنفس ويستفيق الضمير الغائب عن البعض، حيث أن نسبة الخير طغت على الآذان والألسن إلى أن تتكشف الحقائق ويظهر المقصرين عن أداء واجباتهم وتحمّل مسؤولياتهم.

سليمان حسين

تصفح المزيد..
آخر الأخبار