الوحدة : 27-10-2020
ليس ما هو أبشع من (الغياب) إلا السؤال عن أسباب العودة.. دائماً نتلاشى في قناعاتنا، ونهرب من أنفسنا.. نتوارى عن ضمائرنا، ويجرفنا اللاوعي!
ما أهون معظمنا.. أولئك الذين يعرضون مواقفهم في سوق النفاق، وهم يعلمون أنهم (منكشفون) وأن جلد الحرباء الذي يغطي أقوالهم لا يثبت على لون!
على مرمى ومدى الفضاء الأزرق، نستّل سيوفاً من خشب، ونبني بطولات من ورق، ونقصف بـ (رقيّ) كذبنا أمجاد الأولين وتطلعات اللاحقين، وكأننا (الأوحدون) لا يُشقّ لنا غبارٌ..
في مدن الوجع التي نلجأ إليها، نثقب المراكب قبل أن نركبها، ننفخ الوهم في عجلات الأيام، تتساقط من أيدينا الألوانُ فنصدّق أننا نزخرف جبهة الآتي بـ (إبداعنا)!
على وهج انتظارٍ يشلُّ اللحظة، لا أدري أدعتني للرقص أم دعوتها، الشيء الوحيد الذي كان حقيقياً في تلك اللحظة ميسُ ظلّها على بطاح أوردتي .. يا لها من حسناء بلون المسك، تموجُ كأنما قصفة رعدٍ أتت على حين غرّة، فبعثرت الضوء في الاتجاهات الخمسة، ومضتْ ساخرة من رمشٍ تجمّد حيث أشرقت..
بلهاء.. تكثر (الغنج) وتنسى أن الشغف فصل شوق واحد، وستمضي أيامه إلى خريف كالحٍ، وإن كان عريه يغريني، لكنه عاجز عن إهداء (وردة) لأي عاشقٍ..
لك السواقي .. أيان وكيف كان مجراها.. امضي في سريرها، فقد تتكرر حكاية سيدنا يونس, وأتلقفك ذات شغف وذات أنين, فتهديني هدايتك, أو ترتمين بحضن طيشي قطة مسالمة تغفو على جسّ أنامل خشنة تداعب وبر لهفتك..
اقطفيني حبّةً.. حبّة, أنا ذلك العنقود (المسوّد) في غفلة الكروم.. اقرأي عليّ السلام, فلا أنت ملكة ولا أنا (ذكر نحل) , وفي الأفق أكثر من مصباح بلا زيت, وعند تلك (المصطبة) تنام ألف شهرزاد, ناسجة حكاياها من ثغر النرجس ومن عمر السنديان…
أقاتلك في نَفَسِكِ وعليه, ما زالت النار تفحّ دخانها, وما زال دورقك بكراً, وما أصعب العطش..
روت لي بائعة هوى ذات يوم زمهريري, أن الله يأذن بـ (المحرمات) لمن اضطرته الحاجة, وإنه غفور رحيم, وكل ما هو مطلوب منّا أن نجيد توقيت التوبة, وأرى موعدها لم يحن بعد, فاهطلي كيفما شئت, فذات أرض يباب ستمتصّ رحيقك وتزهر غابات ياسمين..
غائبة يا سيّدة الحضور.. مليئة بالوعد, شحيحة الحبور.. أهجّيك لفتةً.. لفتة, أغتابك وأنت على مرمى نظري, وأسأل نفسي سؤال العارف: متى يتمّ تقليم الكرمة؟
على ذكر (الكرمة), ما إن تخدش الريح عريها حتى تتكور حبلى بالوعد…
يستطيع الدرب أن يحصي الخطوات التي تعبره, لكنه لا يستطيع التفريق بين خطوة آثمة وأخرى تتقفى شوقاً مرّ من هنا… فلا تسألي الدرب, اسألي من يحرسه حتى لو كان (قنفذاً) فوحدها الأرواح تنتج الندى وتعبق بالنجوى..
كان كل شيء عادياً.. بائع الذرة ما زال على ناصية الشارع منذ أن أتيت هذا الحيّ, لكن فقط , ومذ أن عبق فيّ فحيحك الجميل, انتبهت إلى أغاني فيروز التي تعلو في المكان, وقبلها, غفوت على وجعي عمراً, وحين صحوت انزرعت في صحوتي غفلة لا برّأني الله منها…
غانم محمد