الوحدة 21-10-2020
يبدو أنّ ثقافة المجتمع وما تبقى من عادات، قد هجرها معظمنا، فخُيّل للبعض أنه يسيرُ في السماء بخطواتٍ كالأجنحة! أما المتواضع منهم، فيعد الرصيف ركناً من أركان منزله، والمارّة ضيوفاً مزعجين، وأما الشارع الساخن الحركة فهو ليس بأحسنِ حالٍ، وعبوره أحياناً يتطلّب ركوب غيمة!
ونمضي قليلاً، لنجد من يهنّئ نفسه كلما فاز بضرورةٍ يوميّةٍ، ولا يوفر شيئاً من التوتر والاحتقان والشماتة تجاه من هو أقلّ حظاً، فتخرج كلماته مخالب جارحةً لم نكن نعهدُ إلاّ عكسها؟!
وشيئاً فشيئاً يتسع الفارق بين الحاضر البعيد والحاضر القريب! فكيف لمن يتحسّرُ على سنواتٍ فائتةٍ؟
سيشعر حتماً أنه كومة إهمالٍ في قريةٍ مهجورةٍ! أما أنا فكنت واحداً ممن تعرضوا لمشاهد صادمةٍ، أذكر منها:
المشهد الأول:
في جلسةٍ مصغَّرةٍ جمعتني بالأهل والمعارف، تنوّعت الأحاديث وتلونت، وقد ختمها أحد الحضور بقوله: بعد سنواتٍ من قطيعتي لزيارة القبور، رحتُ أبحث عن قبر والدي، فلم أعثر عليه، ووالدي هو الذي أورثني الفقر، وعندما تحسّنتْ أحوالي، نسيتُ والدي.
قهقه الحاضرون وابتسموا إلاّ أنا، وهنا أدركتُ من تململهم أنني لستُ اجتماعياً.
المشهد الثاني:
سيدةٌ بأطفالها الخمسة، شغلوا ما تبقى من مقاعد حافلة، كروضةٍ للترفيه والغناء واللعب، وفي المقابل أحد الركاب الواقفين سقطت عصاه وفقد توازنه.. وحدها السيدة خاطبته بصوتٍ عالٍ: طالما أنتَ على هذه الحال، فما المبرر من ركوبك (الباص)؟!
المشهد الثالث:
جاءني جاري يطلب النُّصح والمساعدة في شؤون ابنه، وبعد فترةٍ قصيرةٍ كانت تصرفات ذلك الابن غريبةً تجاوزت الحدود! عرفت فيما بعد أنّ هذا الشاب الصغير، قد عمل بمشورة أحد ذوي الخبرة، في المشاجرات ومعاندة كلّ شيءٍ.
قابلني الأب مصادفةً وقال: قدمت لولدي الخبرة ولم يتعظ، فماذا أفعل؟
فكان ردّي: عليكَ بمن هو أكثر خبرة؟!
المشهد الرابع:
أحد الجيران فرض هيبته المطلقة، فكان يرمي بقاذورات منزله من على الشرفة وكأنه يُلقي بتحيةٍ، إلى أن هجر تلك العادة.. بعد مدةٍ وبلكنة الواثق بادرني القول: جيراني لا يقيمون لحسن الجوار مكاناً، ولذلك فأنا أُمطِرُ سلالمهم وأبوابهم بفضلاتي المزعجة، و.. هذا حقي!
مواقف أشدُّ إيلاماً أتركها كما هي دون التعرّض لها، أملاً في أن تتلاشى وتذوب لوحدها، كأمواجٍ عاتيةٍ تذهب إلى شاطئها وتنتهي هناك.
سمير عوض