تراجع الزراعة في القرى… وأراضٍ هجرتها الأيادي

الوحدة 20-10-20

                       

 

تعد الزراعة حجر الأساس لأي انطلاقة في جميع مجالات حياة الإنسان سواء المعيشية بشكل خاص أو الاستثمارية التطويرية بشكل عام، والتي تشمل جميع  مشاريع التنمية ضمن القطاعات المختلفة بما يحقق الغاية المنشودة وهي الاكتفاء الذاتي والنهوض الاقتصادي بالبلاد نحو الأفضل.

إلا أننا  نلحظ في الآونة الأخيرة تراجعاً واضحاً بالاهتمام بالزراعة في أغلب القرى وتوجه أبناؤها للعمل ضمن نطاق المدن في شتى المهن والحرف المختلفة ومجافاة أراضيهم أو الإحجام عن زراعتها بالخضار والفواكه واللجوء لتشجيرها والاكتفاء بإنتاج المواسم السنوية كالزيتون والحمضيات والجوز وغيره من الأشجار المثمرة والتي من شأنها أن  تدر أرباحاً للمزارعين بما فيه اختصار للوقت والجهد متناسين حجم الكارثة التي تنتج عن قلة الإنتاج الزراعي وآثاره السلبية ولكن ماذا لو أصبحت القضية عامة وتوجه أغلب أهالي القرى في نفس الاتجاه الذي من شأنه أن يقلل نسبة المنتوجات الزراعية وبالتحديد الخضار والفواكه والتي أصبحت نتيجتها واضحة ومرئية للجميع من خلال ما نشهده من ارتفاع للأسعار وتحكم للتجار بالمستهلكين بسبب زيادة الطلب مما يؤكد الحكمة التي تقول إن قيمة الشيء تهبط عندما يكثر وترتفع عندما يقل أو عند فقدانه وهذه معادلة واضحه تجسد سبب غلاء السلع الغذائية  في الفترة الراهنة.

– أبو محمد أحد المزارعين من قرى جبلة يقول: إن التراجع واضح بالاهتمام بالزراعة من قبل أهالي القرى بشكل عام ففي مثل هذه الساعات منذ عقدين من الزمن أو أكثر كنا نرى أغلب الناس منشغلين في أراضيهم وكانت الأراضي مزينة بأصحابها الذين يعملون بها طوال الوقت وقليل من يشتري حاجياته  اليومية من الخضار بسبب اكتفائه بمنتجات أرضه ولكن في هذه الأيام لو قمنا بجولة على أراض في إحدى القرى لرأينا أن الفرق واضح ومعظم الأهالي في بيوتهم بعضهم هجر أرضهم وبعضهم اكتفى بتشجيرها وبعضهم قام ببيعها بسبب الظروف المعيشية الحالية أو لعدم توفر إمكانيات وتسهيلات الزراعة من بذار وحراثة ومياه، إضافة لتراجع همة الشباب الحالي بسبب توجههم نحو الدراسة والعمل في المدن وأسباب أخرى عديدة وهذا الأمر يتطلب جهوداً جبارة من قبل المعنيين لتدارك خطر نقص الإنتاج الزراعي وآثاره على بقية القطاعات.

– المزارع عادل أبو زهير علل سبب تراجع الاهتمام بالزراعة  بغلاء المواد الزراعية من أسمدة و بذار وأجور حراثة إضافة لصعوبة توفير ونقل المياه لسقاية الأراضي في كثير من القرى لافتاً إلى تراجع الاهتمام بالثروة الحيوانية لنفس الأسباب وهي غلاء الأعلاف الذي من شأنه جعل المزارعين يعتكفون رغماً عنهم في بيوتهم إلا أن أبا زهير يعشق أرضه كما قال لنا ويحب العمل فيها ويتمنى تسهيلات أكثر للمزارعين.

وللرد على  استفسارات و طروحات استخلصناها خلال لقاءاتنا مع عدد من المزارعين كان لابد من التوجه للجهات المعنية للرد عليها  لذا التقينا مدير الزراعة في محافظة اللاذقية المهندس منذر خير بك الذي أوضح لنا قائلاً: تبلغ مساحة المحافظة  ٣٠ ألف هكتار وهي منطقة زراعية هامة بامتياز وقد زود محيطها بالمنتجات الزراعية المتنوعة منذ فجر التاريخ وقطاع الزراعة هو قطاع متجدد عوضاً عن كونه قطاعاً استخراجياً وهو الطريق الوحيد للمضي قدماً في إدارة مستدامة للموارد الطبيعية وتحقيق الأمن الغذائي وعلى المدى الطويل

وعن أسباب تراجع الاهتمام بالزراعة في عدد كبير من القرى لفت م. خيربك:  أثرت الظروف التي يمر بها بلدنا الحبيب نتيجة الحرب الإرهابية الكونية على قطاع الزراعة بشكل كبير فقد نتج عن الحصار الاقتصادي الظالم ارتفاع أسعار وسائل ومستلزمات الإنتاج الأمر الذي جعل الكثير من الإخوة المزارعين يهملون العناية بالأراضي وهذا أدى إلى غلاء المنتجات الزراعية وعلى الرغم من ذلك لم ينخفض الإنتاج الزراعي ولم يؤثر ذلك على الأمن الغذائي بل كان هنالك العديد من المحاصيل بشكل فائض عن الاستهلاك المحلي واستمر تصدير المنتجات الزراعية لخارج القطر مثل الكمون والغار وزيت الزيتون وتم تسويق عديد من منتجات الخضار الفائضة عن استهلاك المحافظة وتصديرها الى لمحافظات الأخرى في القطر.

وبالنسبة للعلاقة المترابطة بين قطاع الزراعة والقطاعات الأخرى ومدى تأثير تراجع الزراعة على القطاعين الصناعي والتجاري قال خير بك بأنه من الطبيعي أن ينعكس سلباً تأثر قطاع الزراعة بالظروف والأزمات على القطاعات التي تستخدم موادها الأولية من القطاع الزراعي كارتفاع أسعار المواد الأولية أو فقدانها وارتفاع أجور النقل وغيره منوهاً إلى أنه رغم الصعوبات الناتجة عن الحصار الاقتصادي على سورية إلا أن العديد من الفعاليات الصناعية والتجارية استمرت بالعمل والإنتاج والبحث عن أسواق بديلة للأسواق التي أغلقت أبوابها بوجه المنتجات السورية.

وأشار م. خيربك إلى العمل الدائم الذي تقوم به مديرية الزراعة والتواصل المستمر مع المزارعين من خلال الكوادر الموجودة على الأرض وعبر مساحات المحافظة للوقوف على المشكلات التي قد تطرأ ووضع حلولاً لها وتشجيع الأهالي على العودة للزراعة وبدعم حكومي من خلال  تعزيز ونشر  مفهوم الزراعة الأسروية لتأمين احتياجات المنزل من الخضار والفواكه وغيره من المنتجات الزراعية، كاشفاً عن تزويد ٨٥٨٠ أسرة بالمنح الزراعية التي  تضمنت  البذار والشتول للخضار الشتوية والصيفية إضافة لشبكة ري بالتنقيط منذ بداية مشروع الزراعة الأسرية بهدف تأمين احتياجات الأسر الغذائية مع فائض للتصنيع الغذائي والتسويق، ومنوهاً بدور مديرية الزراعة بإقامة الندوات التوعوية والبيانات العملية والمكافحة المجانية والتحصين والإشراف البيطري المجاني لتوفير ما يمكن توفيره للإخوة المزارعين وضمن الإمكانيات المتاحة.

وحول الحرائق التي اندلعت مؤخراً في عدد كبير من قرى المحافظة قال خير بك:

إن هذه الحرائق كارثة وطنية كما قال السيد الرئيس خلال زيارته الكريمة إلى القرى المتضررة مبيناً أن كوادر مديرية الزراعة قامت بإطفاء ٩٦ حريقاً يومي 9و10 تشرين الأول الحالي، وتم تشكيل ١٠١ لجنة حصر ميدانية في القرى المتضررة والتي بلغ عددها ١٤٤ قرية على مستوى المحافظة وباشرت عملها بالحصر الميداني للأضرار الزراعية وأنهت عملها خلال ٧٢ ساعة وتم تفريغ البيانات وتبويبها لتسهيل وضع خطط التدخل السريع وتحديد الأولويات، كما تمت موافاة جميع الجهات المعنية بعملية إعادة تأهيل القرى المتضررة بهذه الإحصائيات.

وأكد م. خيربيك بأنه سيتم اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لإعطاء تسهيلات عديدة ودعم لأهالي هذه القرى للعودة بأراضيهم كما كانت، مبيناً أن الحكومة تعمل وبكافة مفاصلها  وبتوجيه ومتابعة من السيد الرئيس لإعادة تأهيل القرى والمناطق المتضررة موجهاً رسالة للإخوة المواطنين بعدم التسرع في قطع الأشجار المحروقة فقد تكون غير ميتة بشكل نهائي إذ يمكن إعادة تأهيلها بدلاً من قلعها  لافتاً إلى خطة تعاونية بين مديرية الزراعة وجامعة تشرين من أجل إقامة ندوات علمية وعملية بهدف إرشاد وتوعية المزارعين حول كيفية التعامل مع  الأشجار المتضررة وإعادة تأهيلها للإنتاج مجدداً.

لو كلفنا خواطرنا وعدنا بمرآة ذاكرتنا إلى الوراء حوالي عشرين عاماً لاتضحت الصورة عن أسباب الغلاء الذي نعيشه الآن وبالتحديد غلاء الخضروات والفواكه وغيرها من المنتجات الزراعية، فلم نلحظ في عقود مضت معاناة أجدادنا من غلائها  والسبب واضح وهو عدم اضطرارهم  لنزول الأسواق أو شرائها فكيف يفعلون ذلك وهي من إنتاج أياديهم.

أما في هذه الأيام فالجميع يعاني من غلاء وارتفاع أسعار المتطلبات الغذائية اليومية وبالتحديد الخضار والفواكه وغيرها من المنتجات الزراعية إذ المرآة كشفت المسببات وهي هجر الأيادي للأراضي.

جراح عدره

تصفح المزيد..
آخر الأخبار