الوحدة : 15-10-2020
الوقفة الأولى:
الكهرباء تنطفئ وتضيء, وكأنَّها مصابةٌ بنوباتٍ من الصّرع!
ثمَّ يأتي من يُشَبِّهها باللقاء الأوَّل لعاشقيْن يبكيان ويضحكان في آن معاً.
على العموم, لا فرق بين ضغوطات التَّوتر وضغوطات الشَّرايين, فمن الموكَّدِ وجود (فيروس) كهربايُ ينافس حضرة (كوفيد) التاسع عشر, والمعروف اختصاراً با(الكورونا).
الوقفة الثَّانية:
في الرَّبع الأخير من الليل, انطلق يختصر أرصفة المدينة بزجاجة خمرٍ محلِّيّةٍ رخيصة تهطل في فمه مطراً؟!
أفرغ الزُّجاجة في جوفه على وقع احتفالٍ خاصٍّ, وقال بصوت ازدحمت كلماته: كأنني شربت حبراً يصلح لرسالة من الثرثرة, وهذا ما أحتاجه, فقد تعبت من كُتبي ودفاتري ومئات النَّدوات.
الوقفة الثالثة:
عُمري الذي تجاوز عقده السَّادس, مازال خاوياً من رغبات العيش, فطعامي يُزعج الشهيّة, وملابسي ملَّها غيري ورماها على كتف بائع المستعمل. حتى الدَّواء فكنت مكتفياً ببديله الأوفر ثمناً, وأحياناً بوصفات شعبيّة لم تعد تصلح إلا للكائنات المنزلية.
هذه الحال جعلتني طاهياً مع وقف التنفيذ, ومكَّنتني من قراءة المساحات اللّونية وخطوطها في صالات الفنون, فأشعر بهؤلاء الذين ينظرون إلى العالم بعيني امرأة جميلة!
وبنتيجة ما أنا فيه: آثرت الابتعاد إلى العشوائيات الزاحفة صوب المدينة, علَّني أونس وحدي بمن هم من أمثالي.
لكنَّ الزِّيارة قد أتت على عكس التوقُّع وللمرَّة الأولى تمنَّيت أن أبقى كما أنا بخطواتي المتعثِّرة, فالطائر لا يكتفي القفز داخل قفصه, بل يحرِّك جناحيه أملاً ببقايا ضئيلة من الرَّفرفة.
الوقفة الرابعة:
كانت أضواء النوافذ فستان عُرسٍ لليلةٍ حالكةٍ, خرج منها شابٌ نحو نافذة محَّددة, ونادى بصوتٍ ورديٍّ: يا قمر!
فجاءه الرَّد من جاره الأرمل: وهل أنت على تلك الدَّرجة من العتمة؟
اذهب بعيداً, فقمرك يظهر في النّهار وإلَّا!
ابتعد الشّاب متوسِّلاً قمر السّماء المختبئ خلف غيمةٍ, ربما يأتيه بقمر نافذته, وهو يساوي شتولاً من الشّمس هنا وهناك. لكنه نسي عتمته في (طابور) طويل, أوَّله لجمع الغبار في قوارير العطر, وآخره لكسرة خُبزٍ صغيرةٍ ينقرها طائرٌ جائعٌ.
هزَّ رأسه وقال: مات (دون كيخوت) وطواحينه مازالت تدور أكثر من ذي قبل!
سمير عوض