العدد: 9303
الأحد: 3-3-2019
في الوقت الذي تحاول فيه سورية الوقوف من جديد بعد أزمة تجاوزت السبع سنوات عانى فيها الكتاب حيث انعكس وضع المواطن على الكتاب الذي قلّت شعبيته مع عصر السرعة والانترنت وارتفاع تكلفة الطباعة مقارنة بدخل الفرد السّوري . وفي استطلاع لحال دور النشر اليوم مع هذه الأزمة التي مازالت مواظبة على دعم الكتاب الشباب رغم الحصار الاقتصادي «دار عين الزهور» إحدى دور النشر الوطنية في اللاذقية ، التي تقوم بنشر كتب متنوعة: رواية، قصة، شعر، مسرح، دراسات وترجمة .. وقد صرّح صاحب دار عين الزهور الأستاذ لوثر سليم حسن: إنّ الأزمة أثرت على عدد الكتب التي يتم نشرها فقبل الحرب على سورية كان الحد الأدنى للطباعة ٥٠٠ نسخة أمّا الآن فأصبح ٢٠٠-٣٠٠ نسخة فقبل الحرب كان التوزيع داخل وخارج سورية؛ والذي اختلف بعد الحرب أصبح يقتصر على داخل الحدود السورية فقط وشمل نشاطهم التوزيع الداخلي فقط ..فدور دار النشر يقوم على مناقشة الفكرة مع الكاتب وتمتلك دار عين الزهور لجنة للقراءة واختيار العناوين الصالحة والجدير ذكره أنّ «عين الزهور» تدعم الكتّاب والأدباء والكبار والشباب أيضاً، وتقوم برعاية وإدارة مشروع مبادرات بالتعاون مع اتحاد الكتّاب العرب ومسابقتي القصة القصيرة والشعر للشباب إضافة إلى أدب الأطفال فدار عين الزهور استطاعت كسب ثقة الكتّاب واستطاعت استقطاب أدباء وكتّاب من العراق والسعودية والأردن وفلسطين منهم طاهر علوان، سميحة خريس، كرم نعمة وعبدالله زايد ولا يريدون فتح فروع خارج سورية أبداً فهم مع دعم الفكر والشباب السوري على وجه الخصوص. وختم السيد لوثر حديثه بعتب على المؤسسات الإعلامية لأنّها لا تدعم الناشرين الوطنيين فهم بحاجة للدعم والتسهيل داخلياً على الأقل .
فالشاعرة علا الغدا تعاملت مع دار نشر (عين الزهور) في ديوانها الشعري (قلبي مجبول من بحر) وبخصوص ذلك قالت: لكل إنتاج إبداعي بيئة ما انطلق منها، تفاعل مع تأثيراتها وتأثر بها وشهدت ولادته، فكل عمل إبداعي عمل في داخله نواتج وحصيلة العلاقة التبادلية بين المبدع وبيئته فهي ستكسبه هذه الهوية الخاصة في التشكيل وهو بدوره سيعيد تشكيلها في هيئة إبداعية جديدة لذلك من الجدير أن يبدأ المؤلف النشر في وطنه حيث اكتسبت لغته هويتها الأولى وحيث المجتمع الأقرب لفهمها والتزود بها بما يحقق دوره في رفد حضارة وطنه، ثمّ بعد أن يحقق انطلاقته في وطنه عليه أن يتابع نشر أعماله ويوسع آفاقها في الوطن العربي حيث تتوحد اللغة وتلتقي الاهتمامات والقضايا .فما هي الصعوبات التي يواجهها الكاتب في هذه الأيام؟ أجابت الشاعرة علا: أول المشاكل التي تبرز في ظل هذه الضغوطات اليومية وإيقاع الحياة المتسارع هي أن يجد الكاتب وقتاً للكتابة ويتفرغ لها، ثمّ أن تتوفر له مراجع حديثة ومجانية، وضرورة توافر البيئة الثقافية الحاضنة والمثيرة فكرياً وأدبياً لموضوعه والناقد بشكل إيجابي ومطور، أن يجد دور النشر المحلية المناسبة لدخله المادي والمحققة لطموحاته وأخيراً توفر رغبة القراءة عند الناس وإمكانية شراء الكتب والتواصل مع القراء. ومن الحلول التي اقترحتها الشاعرة علا لتسهيل توزيع ونشر الكتب بين المحافظات: سيكون من الجيد أن توظف كل دار نشر شبكة الانترنت لخدمة حركة النشر المحلية والعربية وتحفظ الحقوق وفق قوانين محددة وكافية للقضاء على ظاهرة الناشرين الالكترونيين وإنشاء مكتبة سورية الكترونية موحدة تضمّ التراث الإبداعي القديم والجديد مرتبطة مع مكتبات عربية وعالمية أخرى فالكتاب الالكتروني أرخص وأسرع في الوصول إليه، فضلاً عن تفعيل دور المدارس بوجود مكتبات الكترونية خاصة ومتخصصة تضم الكتب الحديثة والمتنوعة، إضافة إلى زرع ثقافة حب المطالعة في الجيل الناشئ وضرورة عرض طالب النشر لاستخدامه هذه الكتب كمراجع فلا بدّ من الانتقال بمفهوم الكتاب من مجرد «سلعة» إلى ضرورة معرفية، وتنشيط دور الإعلام بشكل دائم إزاء حركة النشر سواء في الحالات العادية أو المعارض أو المناسبات. فالعمل الإبداعي الناجح هو عملية تكامل لنجاح عناصره من: مؤلف وطابع وموزع وناشر ومتلقي. فهل تفكر الشاعرة علا بترجمة كتبها للغات أخرى؟ أجابت: نحن نعلم أهمية الترجمة في الوطن العربي منذ بدأت في العصر العباسي فكيف في العصر الحديث وقد أصبح المجتمع مفتوحاً على رياح العولمة بجميع جوانبه وأصبحت الترجمة ضرورية للانفتاح والتطور في مختلف المجالات الأدبية والعلمية والتقنية والاجتماعية وتمنح الترجمة دور النشر المقترنة بها إقبالاً وثقة أكبر للمتعاملين معها، إضافة إلى أنها ستسرع عجلة الاستثمار في مجال النشر المحلي والعالمي وتمنح المؤلف دوراً على مساحة أوسع وتهيب نحو إنتاج أكثر تميزاً وتفرداً وتتيح له فرصة نقل المضامين الإبداعية العربية الحديثة بجميع تفاصيلها وتجاربها وكنوزها إلى القارئ الأجنبي والعكس .. إضافة إلى أن الترجمة بحد ذاتها عمل إبداعي يغني المؤلف ويصقل لغته ويصغر به جغرافياً ويكبر انسانياً واختتم بمقولة للأديب غوته في رسائله إلى كارلايل بصدد الترجمة: مهما قلنا عن عدم اكتمال عملية الترجمة، فإنّ هذا النشاط يبقى على الأقل إحدى المهمات الأساسية والأكثر جدارة بالاحترام في سوق التبادل الدولي .
في حين الأديبة والروائية ريم حبيب جربت عدّة دور نشر سورية وعربية : ‘أكثر من امرأة ‘ دار الحوار في اللاذقية، ‘سفاح الذكرى ‘ دار اطلس، ‘احتباس حراري’ دار روافد في مصر، رواية ‘ كيف يموت الأقحوان’ دار عين الزهور وهي في صدد طباعة ‘المخدع’ وستصدر قريباً عن دار كتب خان في مصر ..فهل تفضل الأديبة ريم حبيب دور النشر السورية أم العربية ؟ أجابت :ليس هذا المقياس فأنا لا اقيس الأمور بين دور نشر سورية أو عربية بل دور نشر تسهم في خلق حضارة و نهضة ثقافية فكرية كبيرة ودور تجارية محضة لا تؤمن إلاّ بتحقيق ربح ومغالاة دون الانتباه إلى جودة الانتاج ومتابعة النص (أي جودة الدار) واسم الدار ودقتها واهتمامها بالتاجر وتسويقه لهذا المنتج، فالتعامل مع الدور السورية والعربية ضروري فالدور العربية تحقق انتشار على نطاق جماهيري وتصل لقراء أكثر والمشاركة بمعارض الكتب فالمقارنة والمفاضلة ليست بين دور سورية وأخرى عربية بل يكون التفضيل من حيث اسم الدار واهتمامها بالمنتج الثقافي. فما هو أبرز ما يعانيه الكاتب اليوم؟ أجابت الأديبة ريم: الكتّاب الحقيقيون مجبولون بالمعاناة والعرق والدموع فهم لا يجنون الأموال بل يعانون من صعوبات كثيرة منها الإهمال الذي يطال الكاتب بسبب سوء أحوال الطباعة والتسويق والبيع منها التحدي ليس من قلة الدخل ولا من عدد التسويق وإنما هو في عدم وصوله إلى القارئ لأن هناك معادلة (لا يوجد كاتب من دون قارئ ولا قارئ من دون كاتب)عدا ذلك المردود القليل من بيع نتاجه الثقافي. فالكتابة للأسف في حالة مزرية وحال الكتّاب أيضاً بحاجة للدعم والتشجيع كأي نشاط زراعي واقتصادي وكذلك هو النشاط الثقافي، وهذا ما يحتاجه الكاتب التشجيع والتقدير المعنوي والاحتضان هناك رفع الحواجز والاعتراضات والرقابة الغير مبررة والغير مسوغة هذا كله يضع حاجز أمام الكاتب ؛وبالتالي أمام الثقافة ونحن نتحدث عن كتّاب حقيقيون أصحاب مشروع فكري لا أتحدث عم مشروع كتّاب ومن يوظفون أقلامهم لأغراض ليس لها شيء من الأدب ولا شيء من الثقافة. فكيف يصل الكاتب إلى القارئ من دون حواجز؟ أجابت الأديبة ريم: هذا يحتاج إلى استراتيجية ودور نشر جادة في النهوض في العملية الثقافية يحتاج إلى تشجيع ودعم الدولة والمؤسسات الثقافية على تشجيع وإعطاء جوائز كما تدعم الدولة الكاتب وتدعم نتاجه لا أحد ينتصر للقضايا الثقافية والقضايا الوطنية إلاّ القلم والكاتب فهي عملية متبادلة. فتهميش الكاتب تهميش لقضايا الأمة فالدولة التي تعنى بكتّابها تعنى بقضاياها الوطنية والقومية .. فما هي أهمية ترجمة المؤلفات للكاتب اليوم؟ أجابت الأديبة ريم: الترجمة مهمة فنحن نعلم الثورة في عالم التكنولوجيا والمواقع الالكترونية وتسويق أكبر وكثير من المواقع ترفض نشر الكتاب اذا لم يكن مترجم فهي مختصة بنشر الكتب فقط باللغة الإنكليزية وهذا يؤكد على أهمية الترجمة بالتسويق للوصول لأكبر شريحة من القراء .
ومن الفئة الشابة التي شاركت معنا أيضاً عن دور النشر وأهميتها الشاعرة سارة حبيب التي نشرت ديوان شعري بعنوان «النجاة حدث ممل للغاية «عن دار أرواد للنشر طرطوس عام ٢٠١٧، وكانت تجربة مرضية على حسب وصفها لها وأكملت قائلة :السبب في كونه ديواناً واحداً رغم سنوات مديدة من الكتابة هو قناعتي أن الكتاب الجيد يجب أن يأخذ وقته كما لو أنه يطبخ على نار هادئة بينما كثرة المطبوعات تسهم في خلخلة متانة كل كتاب وقلة أهمية ما يضيفه. وفي استطلاع الرأي تفضيل دو النشر السورية عن العربية أجابت الشاعرة سارة: بالنسبة لدور النشر في تعاملات مستقبلية محتملة، لا يهمني فعلاً أن تكون الدار عربية أو سورية المهم فقط أن تتعامل باحترام ومهنية مع الكاتب والكتاب قيد الطباعة ولا تنظر إليه بوصفه صفقة تجارية هذا طبعاً ضروري لأنّه لا مهرب من الاعتراف أن كتب الشعر خصوصاً ليست ذات مردود عالٍ، ولهذا أسباب مفهومة أولها الصعوبات المعيشية وليس آخرها منافسة الكتاب الالكتروني سهلة الاقتناء لا يغيب عنا أيضاً أن ثمة قلة ثقة متفاقمة فين القارئ والكاتب وتحقق شجاعة القارئ لاقتناء كتاب جديد يخاف أن يخذله. رغم ذلك أعتقد أن الحال ليست يائسة وأردفت قائلة: كما تبدو بالنسبة لي، تمكنت بعد بناء ثقة عبر سنين من النشر الالكتروني من توزيع عدد جيد جداً من ديواني ومفاجئ بالنسبة لوضع التوزيع اليوم، لذلك أعتقد ولو بدا ذلك غروراً أن الأدب الجيد يسوّق لنفسه مع القليل من الدفع على سبيل المثال: لم أكتف بحفل توقيع واحد، بل زرت أربع مدن سورية ووزعت بعض النسخ خارج القطر والسبب في هذا قناعتي أن القارئ المعاصر ولو كان مهتماً يناله بعض التخاذل ويجب أن نسهم بتقريب المسافة بينه وبين المطبوع الجديد، فهل الشاعرة سارة مع ترجمة دواوينها للغات أخرى؟ بالنسبة للترجمة ترجمت بالفعل بعض قصائدي للغة الانكليزية ووجدت ذلك محبباً، صحيح أن الشعر يبقى تجربة خاصة بلغته وينقص منه شيء غالباً بترجمته لكن الوصول لقراء من ثقافات أخرى شيء هام ومغنٍ لتجربة الكاتب. وختمت الشاعرة سارة: في النهاية تبقى تجربة النشر مخيفة إلى حد ما وتتفاقم صعوبتها ودقتها مع الوقت لكن لا غنى عن إعادة ترتيب ما نكتبه ضمن دفتي كتاب كما لو أننا نثبّت مقعده في رحلة العالم السريعة.
رهام حبيب