التقنيات والانتقاءات

العدد: 9303

الأحد: 3-3-2019

 

 

في عالم اليوم الذي لم يختلف من حيث المضمون كثيراً عن عالم الأمس وربّما عالم الغد، هذا العالم الممتلئ بأشكال الحياة المختلفة وما فيها من أفراح وأتراح، وما فيها من مشاغل وانشغالات وقد يكون لدى البعض اشتغالاته التي تجعله يعيش في دنيا مختلفة عن دنيا الآخر.
في هذا العالم، عالم اليوم المتجدد مع كل مطلع شمس وشعشعة ضوء نجد أنفسنا ننام على جديد من أمور الحياة اليومية لنفيق في اليوم التالي على أمر آخر أكثر جدّة وتطوّراً من سابقه الذي لا تفصله عنه سوى سويعات وربّما دقائق قليلة أو بعض ثوانٍ، في هذا العالم الذي يعمد مجددوه إلى تسهيل الحياة وتبسيطها عبر الاختراعات والابتكارات التي من شأنها أن تأخذنا إلى حيث السعادة والانتشاء، لنجد أنفسنا نبتعد أكثر مما كنّا في السابق عن هذه السعادة وتلك النشوة، إذ نجد أنفسنا بمثل هذه التقنيات التي نحاول بها ومن خلالها أن نرتقي قد انتقلنا من حال الارتقاء إلى حال لا نرغب به ولا نتمناه بل أكثر من ذلك ما كنّا في يوم من الأيام نفكّر أننا سنعيشه بكل تفاصيله وجنونه.
نعم كانت هذه التقنية لأمر وأصبحت لآخر …. تُرى من المسؤول عن هكذا أمر؟ أتُراه الإنسان ذاته ؟ أتُراه المجتمع المحلي؟ أتُراه العالم الكوني بأسره هو من أخذنا وأسرنا وجعلنا في قبضته مسلوبي الرأي والقرار، فلا يستطيع إنسان أن ينفكّ من قيد هذه التقنية علماً أنّها لا تُعطيه بالقدر الذي تأخذ منه.
ويبقى وحده الانتقاء صمام الأمان الذي يجعلنا قادرين على الحياة بسلاسة وسعادة في ظل التقنية التي لا مهرب منها شئنا أم أبينا، إذ ليس بالمقدور ولا حتى المعقول أن يعيش الإنسان معزولاً ولا منعزلاً عن محيطه الذي لا يعرف حدوده وسياجه، نعم لا يستطيع المرء في ظل هذا التطور السريع والمذهل للتقنية أن يحدّد حدوده وأن يقيّد حركاته، فالعالم أصبح قرية صغيرة وصغيرة جداً وأعتقد أنه من الواضح أن الجميع أصبح يعرف بعضه البعض بطريقة أو بأخرى، نعم بعضنا يعرف بعضنا عبر الصورة، أو الآراء والمفاهيم والتوجهات، بعضنا يعرف بعضنا في كل المواقع ولكن المشكلة الأكبر أن بعضنا لا يعرف بعضه، وهنا تكمن المشكلة ألا وهي مشكلة الحدود المفتوحة التي تأخذنا من ذواتنا دون أن تحطّ بنا على شواطئ الآخر، لا لشيء إلا لأننا لم نحسن الانتقاء في زمن التقنيات.

تصفح المزيد..
آخر الأخبار