الباحث البيئي محمد إبراهيم يضع إحصائيات و حلولاً جذرية تساهم في تجنّب حرائق الغابات وتعويض الفاقد

الوحدة 30-9-2020  

 

 أبحاث ودراسات غنية وهامة حول قضايا محلية بيئية من شأنها إغناء المكتبة السورية والعربية بدراسات نادرة تعود للباحث البيئي محمد سلمان إبراهيم  قرية سرستان (البستان) صافيتا ١٩٥٩ – خريج جغرافية ودبلوم تأهيل تربوي.

  استغرق الباحث إبراهيم عدة سنوات في إنجازه الأبحاث والدراسات نتيجة بذله جهود متواصلة عبر متابعات ميدانية على نفقته الشخصية بدون منحة أو مساعدة من أية جهة كانت.

بدأ اهتمام الباحث إبراهيم بقضايا البيئة المحلية منذ عام ٢٠٠٣ وانطلق إلى العمل والكتابة والنشر في عدة صحف ومجلات عام ٢٠٠٤ وحالياً هو مدرّس متقاعد من العام الماضي بعد أن شارك  في تعديل المناهج الدراسية عام ٢٠١٠ لمادة الجغرافية.

خلال مسيرته التي أمضاها في وضع الدراسات والأبحاث سعى جاهداً  للحصول على ترخيص نظامي لإطلاق العمل في مركزه (ودق للدراسات البيئية) لكن بعض الإجراءات الروتينية والشروط التي تتطلب الحصول على ترخيص نظامي حالت دون تحقيق حلمه (حسب قوله) واكتفى بتحويل المركز إلى منصة افتراضية على شبكة التواصل الاجتماعي.

دراساته الخاصة التي أنجزها في المركز ساهمت في الكشف عن معظم المشاكل البيئة التي تعاني منها سورية خاصة المنطقة الساحلية فهو ابن المنطقة، الأمر الذي سهّل عليه التنقل والكشف والدراسة والتحليل وتقديم أبحاث أثمرت في تغيير فكر وثقافة وسلوك كثير من الناس عبر صفحة المركز الافتراضية أو عبر ندوات في المراكز الثقافية والمدارس أو عبر كتب أصدرها بهذا الخصوص مثل كتاب البيئة والتلوث في محافظة طرطوس عام ٢٠١٤.

فقد أجرى بحثاً بيئياً لمدة أربع سنوات كشف فيه أهم مراكز ومواقع التلوث في محافظة طرطوس مثل مصفاة بانياس والمحطة الكهربائية الحرارية في بانياس ومعمل إسمنت طرطوس ورصيف الفوسفات في ميناء طرطوس وتلوث المياه والهواء والتربة والغذاء والبوليمترات خاصة البلاستيك وأثر موجات الخليوي على البشر وأمراض الأورام المتعلقة بجوانب بيئية والأوضاع الغذائية وحلول للواقع البيئي في المحافظة.

لديه ثلاثة مؤلفات بيئية: كتاب البيئة والتلوث في محافظة طرطوس عام ٢٠١٤، وكتابان اثنان حول الاقتصاد البيئي: الغذاء والغلاء بين حرب التجارة العالمية والاحتياجات الأساسية للسكان عام ٢٠٠٩.

و كتاب: الصين والولايات المتحدة الأمريكية بين التصادم والتجاذب عام ٢٠١٩.

  كما نشر الباحث إبراهيم مقالات علمية بيئية واقتصادية في مجلة المعلم العربي وجريدة الديار اللبنانية.

وكذلك أجرى أبحاثاً ميدانية عن مياه الري والشفه (الشرب) وعن مياه البحر المتوسط، ومصادر تلوث تلك المياه خاصة في حوض الساحل وتحديداً معظم مصادر مياه محافظة طرطوس السطحية والجوفية، وأبحاثاً عن تلوث الهواء والتربة والغذاء، التصحر والغابات وأخرى عن الأورام في الساحل السوري، ودراسة موسعة عن النفايات بأنواعها المنزلية والصلبة والطبية في سورية خاصة في محافظة طرطوس، وأبحاثاً عن البوليمترات خاصة البلاستيك.

وعلى ضوء الدراسات السابقة وضع الباحث إبراهيم بيانات واسعة تم جمعها منذ عام  ٢٠٠٦  وهي نتيجة جهد العمل الموثق مستنداً على إحصاءات وزيارات ميدانية وتحليلات مخبرية ومن أجهزة قياس متنوعة.

 في لقاء مع الباحث إبراهيم بيّن أن أكثر مشاكل البيئة التي تستدعي العمل وإيجاد حلول جذرية لها هي تلوث المياه والهواء والغذاء، كون هذه العناصر الرئيسية تعد مصادر مشاكل صحية كبيرة.

فما تتركه الملوثات في المياه والهواء والغذاء فرض واقعاً يحتاج إلى أعمال ودراسات وتحاليل دورية وإنفاقاً واسعاً لتجنب أمراض الأورام وجهاز الدوران والغدد وجهاز الهضم مع العلم إن الإحصاءات صادمة في هذه المجالات.

حرائق الغابات في سورية كارثة بيئية

يقول الباحث إبراهيم: حرائق الغابات في سورية تترتب عليها آثار سلبية اقتصادية وصحية وطبيعية ومناخية، فهي تقلل من شفافية الغلاف الجوي بوصول عوالق صغيرة وكبيرة تستقر في رئة الإنسان والكائنات التي تستنشقها.

وكذلك تسرّع تغيّرات المناخ وتزيد من ظاهرة الاحترار وتحدّ من امتصاص تربة الغابة لمياه الأمطار ببطء، ما يسمح بحدوث فيضانات تجرف التربة خاصة في منطقة غزيرة الأمطار وشديدة الانحدار تصل إلى ٨٠ درجة كما في السفح الشرقي لمنطقة حرائق الغاب.

فالحرائق تلتهم سنوياً (١٠٠٠) دونم على أقل تقدير من غابات سورية منذ عام ٢٠٠٤ بينما يزيد عدد الحرائق عن (٢٠٠) سنوياً.

 وأضخم تلك الحرائق التي حدثت عام ٢٠٠٤ شمال القرداحة، وحرائق مصياف ٢٠٠١٩ التي استمرت عشرة أيام والتهمت أشجاراً يزيد عمرها عن (١٠٠) عام.

 وأما حرائق الغاب هذا العام فقد التهمت أشجاراً يزيد عمرها عن (٣٠٠) عام في محمية الأرز والشوح، حيث امتدت الحرائق بين صلنفة وشطحة طولاً وعرضاً.

 فيما بلغ عدد الحرائق في سورية بين عام ١٩٩٥ – ٢٠٠٨ حوالي (٤٤١٢) حريقاً التهمت (٦٢٧٢٥) دونماً والحديث للباحث إبراهيم.

بالأرقام.. حقائق ومعلومات عن غابات سورية وحراجها

أوضح الباحث إبراهيم أن الشجرة تقدم الملايين من أعواد الثقاب، لكن عود ثقاب واحد يلتهم ملايين الأشجار، ولدى تعرّض غاباتنا للحرائق يعني ذلك فقدان أهم شريان حياة على الأرض، خاصة في غابات السفح الغربي والشرقي من جبال اللاذقية التي تمتد بطول (١٣٠) وعرض بين (٣٠ – ٤٠) كم وتكسوها غابات بطول (١٠٠) كم وعرض (٣٠) كم على الأقل.

فعند اندلاع حرائق نفقد موارد تنتج (٢٠) ألف منتج اقتصادي، وبدلاً من امتصاص الملوثات والكربون وإطلاق الأوكسجين في الحالة العادية للغابة، يحدث العكس عند الحرائق، فتقوّض النار الأوكسجين وتحدث حالة من العطش له.

وتابع : إذا علمنا أن الشجرة الواحدة تقدّم الأوكسجين لما يكفي أسرة مؤلفة من أربعة أفراد طيلة حياتها نعلم مدى خطورة الحرائق مع ظاهرة عطش الأوكسجين (نقص الأوكسجين)، فالإنسان يحتاج (١٥) كغ أوكسجين يومياً بمعدّل  (٥٤٧٥) كغ سنوياً.

فكم هي كميات الأوكسجين التي فقدتها تلك البيئة وحُرمت الطبيعة والبشر منها؟

في حين تمتص الغابات إشعاعات بنسبة تزيد عن ١٥% عما يجاورها من أراض غير مشجرة.

كما يعلق على الأشجار كميات هائلة من الغبار فتساهم هذه الأشجار في تخفيف أضرار العوالق الهوائية والغبار عند هبوب عواصف غبارية، وعند هطول الأمطار تصل تلك العوالق إلى التربة فتجد خصوبتها.

وتتجاوز أهمية الغابة هكذا قضايا إلى امتصاص أكاسيد النيتروجين وتحويلها إلى أحماض أمينية، وبالتالي تتحوّل المواد العضوية إلى مواد لا عضوية تمتصها النباتات.

كل شجرة يعيش عليها وعلى مفرزاتها وتفاعلاتها (٢٠٠) كائن حي, وكل هكتار من الغابة يطرح (١٢٠٠) طن أوكسجين ويمتص بين (٥٠٠ – ٦٠٠) طن ملوثات سنوياً.

تقتل أشجار اللذاب والسنديان والبلوط الحشرات الضارة خلال (٥) دقائق، والريحان خلال (٧) دقائق والسرور خلال (١٥) دقيقة.

وإذا ما أدركنا أن الطبيعة تقدّم خدمات بيئية بقيمة (٣٣) تريليون دولار على مستوى العالم سنوياً نصيب سورية منها حوالي (١٦٥) مليار دولار.. فهل أدركنا خطورة الحرائق على غابات سورية وحراجها؟

وكذلك فإن سورية تحتوي (٧٢٠٠) كائن حي نباتي وحيواني، وتبلغ مساحة الغابات  ٣ % من مساحة سورية، أي ما يعادل (٥٠٧) آلاف هكتار منها (٢٣٢) ألف هكتار غابات طبيعية، تحتوي (٣٣٠٠) نوع تنتمي إلى(٩٠) جنساً نباتياً  و(١٣٠) فصيلة منها (١٠٦) فصائل في جبال اللاذقية بسفوحها الشرقية والغربية، وهي ضعيفة وتتعرض لأخطار محدقة من حرائق ورعي جائر واجتثاث واستصلاح لتوسيع الملكية الخاصة و25% منها مندثر و٥٠ % منها متدهور، ومع ذلك تمتص حوالي (٣٠) مليون طن من الملوثات سنوياً..

مقترحات تجنب حدوث حرائق الغابات

يقول الباحث إبراهيم: ندرك أهمية حماية الغابة للحدّ من ديناميكية الحرائق والحفاظ على الجمال الأخاذ لمناطق الغابات، فالحرائق تغيّب عنا تلك الصور الحالمة التي تعكسها مناظر الغابات، هذا عدا عما يحدث من حرق كل كائن حي ثابت في الغطاء الأخضر وهجرة كائنات قادرة على الحركة والطيران، ما يحرم الأراضي المحروقة من توازن بيئي وتنوّع حيوي امتد مئات السنين. فالتغيير جرّاء الحرائق امتد على مستوى المنظر الطبيعي وعلى خلل أنظمة البيئة وموائل الكائنات الحية خاصة في سفوح تنتشر فيها أشجار عمرها بين (٣٠٠ – ٤٠٠) سنة.

وتأتي خطورة الحرائق في سورية من خسارة أنواع نادرة تنتمي إلى المنطقة المتوسطية والإيرانية والطورانية والصحارى العربية وقليل منها سيبيري وأوربي.

وتابع الباحث البيئي أن أمام هكذا واقع بيئي يتعرّض إلى أخطار محدقة في مقدمتها الحرائق، لابد من  حلول جذرية وسريعة لمنع الاندثار والتدهور ومكافحة النيران والحرائق كي لا تزداد الخسائر المادية والبيئية والاقتصادية من جهة، وكي لا نخسر ما نملكه من غطاء أخضر من جهة ثانية، ولاستمرار عمليات الكلورفيل والتمثيل الضوئي عبر تفاعلات في أوراق النباتات، حيث تمتص الأوراق طاقة شمسية ومياه وكربون وتطلق أوكسجين وسكريات وأحماض تأمينية من جهة ثالثة.. فلا شيء مستحيل إذا تسلحنا بالإرادة والإدارة للوصول إلى حماية ورعاية واستثمار أمثل لموارد الغابة، ومن بين هذه الحلول التي أقترحها الباحث البيئي نذكر:

– بناء مزيد من أبراج المراقبة وتأمين أجهزة اتصالات ووسائل نقل وعناصر حماية مدربين وطائرات واطفائيات خاصة في المناطق الحساسة من حيث مساحة الغابة ونوعيتها.

– إكمال عمليات التحديد والتحرير والطابو العقارية لمنع التعديات على أطراف الغابة.

– إيقاف منح رخص تنظيف الأراضي الزراعية في نهاية الصيف ومطلع الخريف، ومنع حرق مخلفات تنظيف الأراضي الزراعية قرب الغابة.

– الاستفادة من تقنيات الاستشعار عن بعد التي تُظهر الغابات في فترات زمنية شديدة الجفاف كما في مطلع الخريف، والانتباه إلى النشرات الجوية التي تفسّر حالة الجو العامة خاصة أيام الموجات الحارة والجفاف الشديد للحد من اندلاع النار، خاصة أن ٩٩ % من حرائق سورية بفعل فاعل بشري.

– شق طرق واسعة في الغابات لقطع النار من جهة وسهولة وصول الإطفائيات من جهة ثانية.

– إطلاق مشروع متكامل بين دوائر الحراج والدفاع المدني ومنظمات شعبية والقطاع الخاص والكشافة والمتطوعين، وفي حال تطلب الأمر يمكن مشاركة الفاو (منظمة الأغذية والزراعة العالمية) ودول مجاورة.

– تعويض الفاقد من غابات بحملات تشجير، لكن ينبغي أن يكون ذلك بعد مرور عام بأكمله على الحرائق لمعرفة الأنواع التي عادت إليها الحياة والنمو ولعدم العبث بأنواع الغطاء النباتي والكائنات المتأقلمة مع الطوابق المناخية والحرارة والأمطار، لاسيما أن استنباط نوع من المحاصيل أو الأشجار يحتاج (١٥) سنة وكلفة مليون يورو على الأقل.

فعند زيادة المراقبة والاهتمام نكون في حالة أقرب إلى الحماية والرعاية أكثر من الإهمال والتقاعس والتحسر و الندامة على ما فات.

أخيراً أكد الباحث البيئي إبراهيم أن الدراسات والأبحاث وزيارات ميدانية التي أجراها في الرحلات والمسير يفيد كثيراً في اكتشاف الأنواع النباتية والحيوانية والتعرّف إليها وتوثيقها، ما يغني أعمال مركزه الخاص (ودق للدراسات البيئية) والمساهمة في زيادة الوعي البيئي وانتشار ثقافة بيئية صحية تساهم في تعزيز الثقافة الغذائية والجمالية والقانونية وتخفيف كلفة الأوضاع الصحية وتحسين الحالة النفسية ومزاج الإنسان خاصة في هذه الأوقات العصيبة.

ازدهار علي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار