الوحدة 2-9-2020
خارطتنا الفكرية والحضارية التي تتضمن أوابد تحكي مجداً وعراقة وتاريخاً من الحضارة والإنجازات الخالدة وجميع الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات والفكر والأدب والفنون وما يرتبط بها تعتبر جزءاً من التراث الإنساني والحضاري والثقافي المتوارثة جيلاً عن جيل، تستلزم التوثيق والحماية للحفاظ على دورنا الفكري و الحضاري الضاربة جذوره في عمق التاريخ.
الأزمة التي تمر بها سورية عرضت الكثير من التراث الحضاري للسرقة والدمار، حيث يعمد الجناة إلى خرق القوانين الدولية وكسر المنظومات الفكرية والأخلاقية التي تستهدف وجودنا وفكرنا وثقافتنا وإرثنا لتفكيك البنية الاجتماعية والروحية والتاريخية ورمينا في فراغ وخواء روحي وتاريخي ومستقبلي، عبر التدمير و التخريب الممنهج الذي تعرضت له المعالم الحضارية السورية وعمليات التنقيب اللامشروع في الكثير من المناطق الأثرية وعمليات النهب و السلب التي وقعت للتراث المادي واللامادي بفعل القوى الخبيثة والأيدي المسمومة والعصابات الإرهابية لمحو الحضارة السورية من التاريخ والذاكرة الإنسانية، ما يضعنا وجهاً لوجه أمام مهمة السعي للحفاظ على ثقافتنا وفكرنا وكنوزنا التي تتوغل وتمتد لآلاف السنين.
وسائل الاتصال الحديثة احتلت حيزاً هاماً من حياتنا لسهولة تداولها وسرعة استجابتها وكونها في متناول اليد دائماً، وبكبسة زر وإشارة إلى أيقونة البحث تنفتح لنا آفاقاً غير محددة من المعلومات المطلوبة الغير معروفة المرجعية والمجهولة المصدر الموثوق، حيث تزودنا المواقع الإلكترونية بمعلومات توحي في البداية أنها موثوقة ولا تحتمل الشك، وعند مقاطعتها ببعض الوثائق والكتب الممهورة بأسماء اللغات تجد مفارقات مزيفة من تشويه للحقائق وتزوير الأحداث لنسف مرحلة كاملة من حياة شعب وتاريخ أمة ولا يمكن أن يتقبلها العقل والمنهج العلمي والوقائع المسندة.
التوثيق هو إحياء للفكر والأدب والتراث وجزء من الجهود للحفاظ على الهوية وصونهم من الاندثار والضياع، فبالرغم من الإبهار الذي حققته التقنيات الحديثة بفعل ثورة المعلوماتية لكنها ستظل قاصرة عن القيام بدورها في حفظ تراث الشعوب وتاريخها وتوثيق الفكر والأدب المحفوظ في صدور الأجيال وكبار السن الذين يغادرون الحياة ونفقد برحيلهم مصدراً هاماً للمعلومة لا يعوض، ويساهم في تقوية وتنمية حس الانتماء للوطن والأمة وربط الأجيال بحضارتها وتاريخها.
علينا الحفاظ على ما تملكه سورية من حضارة إنسانية متراكمة وتوثيقها بأقلامنا نحن وليس بالاعتماد على غيرنا، والعمل ضمن خطة وطنية منهجية علمية لتوثيق أدبنا وفكرنا وحضارتنا ضمن مجلدات وكتب وتشكّل وثيقة وطن ومرجعية للدارسين والباحثين والتواصل مع المنظمات الدولية ذات الشأن لاستعادة ما أمكن من تراثنا المنهوب للظهور بالصورة التي تليق بسورية بحاضرها المشرق المشرف وتاريخها العريق.
التوثيق أولوية وطنية ومهمة صعبة تخص الجميع (المؤسسات الحكومية والمجتمع الأهلي والأفراد) والحرب الظالمة التي تجرعنا مرارتها كانت حرباً ثقافية بالدرجة الأولى تستهدف هويتنا وتراثنا الحضاري وتاريخنا، وبلادنا تمتلك مواقع حضارية وأثرية ولغات قديمة وأيقونات تراثية وتراث موسيقي وفني يعود بعضها إلى عشرة آلاف عام، وقد أعلنت منظمة اليونسكو للتربية والثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة مؤخراً 46 موقعاً أثرياً وحضارياً ذات قيمة عالمية استثنائية بينها ستة مواقع سورية وهو ما يفسر كيف يتقصد رعاة الإرهاب والحرب على سورية تخريب ونهب وتدمير تراثنا وحضارتنا.
نعمان إبراهيم حميشة