المخللات في الكراجات!

الوحدة: 27- 7- 2020

 

عندما نتحدث عن معاناة المواطنين اليومية مع وسائط النقل وبالتحديد (السرافيس المخصصة لنقل أهالي القرى من وإلى مركز المدينة) والمكدسة والمكبسة بطريقة غريبة عجيبة لعدد من الركاب يفوق العدد المخصص والذي هو ١٤ شخصاً ليصبح ١٨ شخصاً وربما أكثر لا يمكن أن يخطر ببال الرائي أو القارئ إلا طريقة كبس وكدس المخللات الغذائية من قبل ربات البيوت.

فمن المعروف أن النساء تقمن بتحضير المخللات الغذائية ولكن بطريقة فنية ملفتة للنظر والشهية رغم عملية الكبس والكدس إلا إن الذي يزيغ البصر ويبهم النظر رؤية تلك الجموع البشرية المتمركزة في كراجات السرافيس تنتظر الفرصة السانحة لقدوم أي سرفيس من قراهم البعيدة ليبدأ الركض والهجوم والطحش والدفش وما بين مد وجزر يصبح السرفيس الذي يتسع لأربعة عشر راكباً قد مدده ليسع ثمانية عشر راكباً.

معاناة يومية يعيشها المواطنون تتناول أكثر من محور منها عدم توفر السرافيس الكافية لنقلهم من وإلى قراهم وعدم معرفة مواعيد الرحلات أو تنظيم أدوار للسائقين ليدرك المواطن أو ربما الطالب أو الموظف متى موعد قدوم سرفيس معين بدلاً من الانتظار العشوائي والذي يطول لساعات بدون نتيجة والنهاية البحث عن تكسي أجرة أو تطبيق سرفيس من خطوط أخرى والمبلغ يحدده السائق وبالتأكيد مع عدم مراعاة الظروف التي اضطر بها الركاب للاستعانة به، أناس كثر التقيناهم في الكراجات والجميع نفس المعاناة ولكن نبرة التعبير قد اختلفت شدتها وربما زادت من شخص لآخر لشدة المعاناة التي لم تنال أي اكتراث من المعنين بالأمر.

أحمد أحد المواطنين الذين التقيناهم في كراجات السرافيس الجديدة وهو موظف قال: إن مسافة السفر لأي محافظة أسرع وأهون لدي من الذهاب إلى عملي وبالعكس العودة لقريتي الكائنة في مدينة جبلة إذ أقضي أغلب وقتي بعد العودة من دوامي بانتظار سرفيس لا على التعيين وكل همي تحصيل مكان و ليس المهم راحتي بالجلوس بالمقعد بل أهم شيء أن لا انتظر في هذا الحر الشديد ورغم ذلك لا أحظى مباشرة بسرفيس بل أنتظر ساعات وفي النهاية أكون الراكب الرابع على طرف الباب أو في المنتصف بين أربعة ركاب.

 نور طالبة في جامعة تشرين كشفت لنا عن معاناتها اليومية والتي أصبحت روتيناً قاسياً اعتادت عليه مؤكدة أن كثيراً من المحاضرات تضطر لعدم حضورها خوفاً من عدم توفر سرفيس للعودة إلى قريتها متسائلة عن سبب عدم توفر سرافيس بشكل لافت بعد الساعة الثالثة معللة ذلك بمزاجية السائقين وعدم تنظيم الأدوار أو إلزامهم برحلات معينة حتى وقت عودة أهالي القرى جميعاً من التزاماتهم في المدينة وخاصة أن أغلب السائقين يحملون سرافيسهم بعدد كبير يؤمن لهم الغلة ورأس المال الذي يريدونه مما يجعلهم غير مضطرين لرحلات بعد الظهر وهكذا بالنهاية لا يقع الفأس إلا برأس المواطن وعليه أن يدبر رأسه.

أما أبو محمد فقد تأوه عندما سألناه عن رأيه حول القضية المذكورة قائلاً: انتظاري لتحصيل سرفيس وحشري بجانب ثلاثة أو أربعة ركاب بجهة أما الانتظار بعد أن أصعد إلى السرفيس على محطة البنزين بجهة أخرى كم يقهرني الانتظار الطويل في الكراج والمكوث على المقاعد لتعاد الكرة ثانية على محطة البنزين، ما الذي يمنع السائق من تعبئة الوقود باكراً أو قبل تحميل الركاب ولكن كل ما أفهمه أنه جشع وطمع من قبل السائقين سواء من حيث تحميل أربعة ركاب أو السباق للفوز بالركاب ومن ثم معاقبتهم بانتظار الدور أمام محطة البنزين الذي قد يستغرق ساعة أو أكثر وربما أقل إضافة لتحميل الركاب من خارج الكراج بينما يبقى عدد من الأشخاص منتظرين داخل الكراج باعتقادهم أن السرافيس على وشك الوصول.

علاء أحد الأشخاص الذي مل انتظار قدوم سرفيس قريته عين التينة حبيت في الكراجات أكد لنا: أن معاناة أغلب أهالي القرى مشتركة وواحدة من حيث الانتظار لساعات وقلة عدد السرافيس وعدم تنظيم الدور وصعوبة تحصيل سرفيس في فترة ما بعد الظهر وحشر الركاب بطريقة عشوائية (أربعة أربعة أربعة وثلاثة بالمقلوب ولو بمقدور السائق لحشر ثلاثة ركاب جنبه) وليس بغريب عن بعض السائقين. وحول سؤالنا عن عدم تقديم شكاوى والمطالبة بتنظيم عمل السرافيس وطرق تحميل الركاب؟ ضحك علاء باستهزاء قائلاً: السبب عندما نقوم بتقديم أي شكوى على أي سائق لن يتحمل النتيجة السلبية إلا المواطن المشتكي ذاته فهنا السائق سيتحكم أكثر بالركاب ويحجم عن تحميل من لا يتفق مع مزاجياته وكثيراً في هذه الحالات يلجأ السائق لتغيير خطه والعمل على خطوط أخرى وهكذا لن نصل لأي حل للمشكلة والمعاناة إلا أن الطينة تكون قد زادت بلة.

عضو المكتب التنفيذي لشؤون قطاع النقل في مجلس محافظة اللاذقية مالك الخير أوضح لنا: أن قلة عدد السرافيس التي تعمل على تلك الخطوط وكثرة عدد الركاب من أحد أسباب اضطرار السائقين لوضع وتحميل عدد من الركاب في مركباتهم يفوق الطاقة والعدد المسموح به مشيراً إلى أسباب أخرى مرتبطة بجشع وطمع بعض السائقين.

وشدد الخير أنه يجب على شرطة مركز انطلاق السرافيس ضمن الكراجات التشديد أكثر في تطبيق النظام على السائقين أثناء دخولهم وخروجهم إلى الكراجات وتنظيم الدور ومنع تحميل أكثر من ثلاثة ركاب مؤكداً أن فرض العقوبات للمخالفين هي من اختصاص قيادة شرطة المرور وبالتحديد شرطة الكراجات (مركز الانطلاق) منوهاً إلى وجود مراقبي خطوط ضمن الكراجات وأهم اختصاصاتهم مراقبة تلك الخطوط وتنظيمها بالتنسيق مع شرطة الكراجات والتي تقوم بفرض عقوبات على المخالفين. وعن سبب عمل بعض السائقين على خطوط أخرى غير المخصصة لهم

وكشف الخير: عند ورود أية شكوى رسمية عن تغيير السائق لخطه والعمل على خطوط أخرى نقوم مباشرة بسحب بطاقة المازوت المدعوم منه وإيقافها وهذا الأمر يمنعه من استلام مازوت مدعوم وقد يعمل بطرق عشوائية من تلقاء نفسه على خطوط أخرى وعند العلم به ستتخذ العقوبات المخصصة لهذه المخالفات والتي من ضمنها سحب المركبة إضافة لسحب بطاقة المازوت المدعوم.

وبالنسبة لزيادة أجور النقل (التسعيرة الجديدة) علل الخير هذا الإجراء بأن هناك ظلماً للسائقين في جوانب عدة وخاصة فيما يتعلق بارتفاع تكاليف الصيانة و قطع الغيار والتبديل وهذا كله سيكون من حسابه الشخصي ولهذا السبب ارتأت الجهات المعنية باتخاذ إجراءات منها نفذ وبعضها قيد التنفيذ لاحقاً كزيادة التسعيرة والأجوار نظراً لوعورة الطرقات والمسافات البعيدة مع زيادة ١٠ لتر مازوت لكل مركبة. مؤكداً أن هنالك اجتماعات قريبة لاحقة مع قيادة شرطة المرور والمعنيين بالقضية المذكورة ضمن محافظة اللاذقية لإعادة التنسيق والتنظيم بشكل أكبر فيما يخص كل جوانب معاناة المواطنين مع وسائط النقل داخل الكراجات وخارجها ووضع حلول مناسبة.

نقلنا معاناة المواطنين الذين أضناهم سوء وصعوبات المعيشة ليزيد ثقل معاناتهم قساوة التنقل لطلب العيش والعمل والدراسة وغيره، الحلول الموفقة بدأت تسري لصالح السائقين والتي من ضمنها رفع الأجور والمخصصات وبالتأكيد الهدف هو استمرارية العمل لخدمة المواطنين فهل سنلحظ في الأيام القادمة رحلات منظمة للمركبات في الكراجات بشكل حضاري لائق وفق أدوار منسقة للسائقين؟! و لا تحمل إلا الأعداد المخصصة لها من الركاب لينتهي روتين الكدس والطحش وهذا ما سنرصده تباعاً.

جراح عدره

تصفح المزيد..
آخر الأخبار