الوحدة: 13-7- 2020
لسنا متفائلين… هذه حقيقة، تحاصرنا فيها تجارب الماضي، وتحاول أن تضعنا على هامش الحدث، أو نضع الحدث نفسه على هامش اهتماماتنا…
لا علاقة لمن سيصل إلى مجلس الشعب بانقطاع الكهرباء، أو ارتفاع سعر علبة دخان الشرق إلى أكثر من (500) ليرة، ولا علاقة له أيضاً بارتفاع أسعار اللبن أو فقدان عديد أنواع حليب الأطفال من الصيدليات…إلخ.
ولا علاقة لمجلس الشعب أو لممثلينا فيه بالأسعار التي يتحكّم بها جارنا (السمّان) والذي يمسح بـ (حذائه) استغرابنا ودهشتنا، بل وقد يتهمنا بالجنون، وبأننا لا نعيش في الواقع…
والسؤال، وقد تابعنا كل ما دار في جلسات مجلس الشعب في الدور التشريعي المنتهية مدّته، السؤال هو: عندما كنتم تستدعون وزيراً لتقييم عمل وزارته، هل قمتم بذلك بكل الضمير والمسؤولية الوطنية أم فرحتم مثل (جوهر بومالحة) في مسلسل (الخربة) بأخذ الصور التذكارية مع السادة الوزراء وعدتم إلى منازلكم، لتفرح أسركم بمشاهدة هذه الصور!؟
بإمكان أيّ منّا أن يعود إلى أرشيف أخبار مجلس الشعب على موقع (الوكالة العربية السورية للأنباء) ليكتشف أن من تحدّث في جلسات التقييم أو بعدها هم الوزراء وليس أعضاء مجلس الشعب؟
ما دلالة ذلك، وهل نستطيع تبرير ضعف الدور للسلطة التشريعية، وهل من سبيل إلى تغيير الصورة، أم أنّ تجربة عقود سابقة ستستمر لعقود آتية!؟
في القانون، يحقّ لنا نحن الناخبين حجب الثقة عن شخص اخترناه لتمثيلنا، ولم يقم بما هو منتظر منه، ولكن إذا ما حاولنا ذلك سنجد أنفسنا محاصرين بتراكمات (تنفيذية) لا طاقة لنا بـ (حلحلتها) لذلك نختار الصمت وعدم انتظار أي دور إيجابي، وأيضاً لا نمتلك الوسائل الكافية لعملية التقييم، إذ لا نعرف ماذا يفعل ممثلونا، وهل العلّة فيهم أم بعدم استجابة السلطات التنفيذية لهم!
كخطوة أولى، لا بد من فتح كل جلسات مجلس الشعب، واجتماعات لجانه أمام الإعلام الوطني، والذي عليه أن ينقل الصورة للمواطنين بكل شفافية وموضوعية ومسؤولية..
عندما تكون جلسات مجلس الشعب منقولة على الهواء مباشرة وتحت عدسات المصورين ومتابعة الصحفيين (الممنوحين حرية مسؤولة كاملة) سيتغيّر الأداء، وسيقلّ عدد (الشاردين) في جلسات المجلس، وترى كل قرية ماذا قال ممثلها بشأن طلباتها ومن أجل الصالح العام، وبالتالي تتوفر للناخب معلومات يستطيع من خلالها محاسبة ممثله بالمجلس.
تقرير في وكالة أو في صحيفة بالطريقة النمطية الحالية لا يقدّم ولا يؤخر، والمشكلة هنا ليست في الإعلام، الإعلام الذي ينتظر الخارجين من تحت قبة المجلس ليأخذ منهم تصريحات… الإعلام يجب أن يكون تحت قبة المجلس لأنه ممثّل دائم للمواطنين، ومن حقه أن يراقب أي نقاش يخصّ المواطنين، حتى جلسات مجلس الوزراء…
إذا أردنا التغيير فلنبدأ من هنا، من التقاء السلطة الرابعة مع السلطة التشريعية في مراقبة وتقييم وتصحيح عمل السلطة التنفيذية، وبعدها سيكون الوضع أفضل، وبناء على تحقيق ما تقدّم يمكننا أن نزرع التفاؤل لدى الجميع، وأن نحمّل الجميع مسؤولياتهم، ونراقبهم في إنجاز واجباتهم….
عضوية مجلس الشعب ليست (سيارة أو حصانة)، من يحصّن أي شخص هو عمله، والخطأ ليس له حصانة، والتقصير ليس له تبرير…
نقلّب الآتي على جنبيه… نحمل في ضمائرنا دماء من أعطوا شقائق النعمان حمرته، دماء من زرعوا الشمس ضياءً ونوراً، وغرسوا فينا أمانة الوجود والحياة، وأن ندافع عن (سوريتنا) لا بالبندقية وحسب، وإنما بدءاً من قلم رصاص وممحاة، وليس انتهاءً لواجبات علينا إنجازها، الأمر في سورية الآن مختلف عن أي مكان آخر في العالم، ومختلف عن أي زمان مرّ على أيّ أمة…
ثلاثة أرباع من استشهدوا في سبيل سورية (إن لم يكن كلهم) هم أبناء كادحين تحولوا إلى(معدمين) مع هذه الظروف الصعبة (داخلياً وخارجياً)، وذوو (أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر) بيننا على الأرض يعانون ما نعاني، وربما أكثر لأنهم فقدوا معيلاً، وعندما تتحسن أحوالنا تتحسن أحوالهم، ولا يوجد شخص في سورية يحتج على منحهم أي ميزات إضافية.
وحتى لا نبتعد عن الحقيقة، نذكر بصدور العديد من القوانين والتشريعات التي أنصفتهم على (الورق) لكن نسبة كبيرة منها لم تجد طريقها إلى التنفيذ، صحيح أن مسؤولية مجلس الشعب إصدار التشريعات، لكن الأهم من ذلك متابعة وتقييم تنفيذها، إذ لا يكفي أن نسجّل هذه التشريعات بـ (الوارد والصادر) برقم وتاريخ!
الأمر متعب، وليس بـ (شخطة قلم) ننتقل من حال إلى حال، ولكن علينا أن نبدأ وننجز ولو خطوة في الاتجاه الصحيح…
على المرشح لعضوية مجلس الشعب أن ينزع من رأسه فكرة استرداد ما دفعه في حملته الانتخابية، وأن ينتقل في تفكيره من (الأنا) إلى الـ (نحن) وأن يتذكر معاناة أهله وجيرانه، وأن يترجم ما كان يعد به إلى عمل على الأرض…
المشكلة ليست في مجلس الشعب، فهو مؤسسة تشريعية متطورة جداً، ولكن المشكلة في أداء قسم كبير من شاغلي مقاعده، وكما أسلفنا، فعندما يسلّط الضوء الشفّاف على اجتماعات المجلس وأداء أعضائه فإنّ ذلك سينعكس إيجابياً، وسيمهّد لعمل برلماني كما يراد له..
سوريتنا أمانتنا، ولن نخون الأمانة، ولن نسمح لأحد بذلك، ففاتورة الدم الكبيرة تلزمنا بوضع أيدينا على ضمائرنا، وتفرض علينا استثماراً (أخلاقياً ووطنياً) لكل قطرة دم سالت أو ستسيل، ولن يكون هذا إلاّ بالتزام مصلحة البلد وناسه، والتصدّي لكل من يحاول العبث فيه.
نقف على بعد أيام قليلة من أهم استحقاق وطني، ننتظر أن يأتي هذا الاستحقاق بما يساعدنا على المساهمة في بناء بلدنا..
ننتظر من مجلس الشعب القادم أن يمتلك القدرة والجرأة على نسف كل الثغرات التي يتسلل منها الفساد والفاسدون، فالقوانين الحالية ليست منزلة، ومن السهل جداً أن يكلف المجلس لجنة قانونية تعيد صياغة هذه القوانين بشكل واضح، إذ أنه من (المخجل) أن تكون مقدمة أي قانون أكبر من القانون نفسه (… بناء على القانون رقم … وعلى تعديلاته… وعلى التعليمات التنفيذية… وعلى قرار رئاسة الوزراء.. وعلى التعميم…)، فقط نتحدث من حيث الشكل، يجب كتابة هذه القوانين وطباعتها وتوزيعها في المكتبات مجاناً ليقتنيها من يحب من المواطنين، ليكون على بيّنة من أمره فيما يتعلق بحقوقه وواجباته…
تعديل القوانين، إلغاء بعضها، إضافة قوانين جديدة… إلخ، خطوات لاحقة أيضاً لابدّ من إنجازها…
نريد أن نعمّر بلدنا لا أن تتكرّس حالة الوجع التي نعيشها ويستطيع مجلس الشعب القادم أن ينجز نسبة معينة من هذا الأمر إن أراد ذلك.
غانم محمد