الخوف من كورونا من أجل النجاة منه

الوحدة: 13-7- 2020

 

بدأ الفايروس التاجي يتمدد بين السوريين بشكل مخيف، ودخلت معظم المحافظات السورية على خط الإصابات بنسب متفاوتة، مما يستدعي الوقوف ملياً أمام المستجدات، ومقاربة العلاقة مع الوباء بشكل مختلف عن السابق.

معلوم أن الانتشار الأخير للعدوى حدث بعد فك الحظر الذي أقرته اللجنة المعنية بالمرض أواخر آذار الماضي، فقد أثبت الحظر جدواه في الحد من التمدد الأفقي للمرض، ولكنه في الوقت ذاته سبب أزمة معيشية خانقة، وأربك البلاد والعباد من الناحية الاقتصادية، فكان لا بد من استعادة دورة الحياة قبل أن يجوع الناس، وتحدث الكارثة.

عند فك الحظر، عوّل الفريق الحكومي المعني على وعي المجتمع، والتعاطي بحذر مع التجمعات والاختلاطات، وإذ بنا نعود للاندماج الطبيعي بمحيطنا، ونرجم الكمامات والتباعد والمعقمات، فمدة الشهرين أججت الشوق لدينا، وكنا بانتظار لحظة فك الحظر لنعود إلى القُبل والأحضان والمصافحات الحارة.

ما العمل الآن؟، وكيف سنتعاطى كمجتمع ودولة مع الزيادة الكبيرة في عدد الإصابات؟، وهل سنعود إلى الحظر، ومعه الركود الاقتصادي؟، أم سنترك الأمور تسير على التوكل، ونعتمد على المقولة الشهيرة (من له عمر لا تقتله شدة)؟.

لاشك  بأننا قادرون على فعل شيء إيجابي مع إبقاء الحياة تسير بشكلها الطبيعي إلى حد ما، ولا يجب أن نعول على الوعي الجمعي لأن أشياء كثيرة تغيب هذا الوعي عندما تحضر الحاجة الماسة للاختلاط والوقوف في الطوابير الإجبارية، والتنقل في وسائط النقل المكتظة بالمواطنين.

ليس بمقدورنا أن نقول لأي مواطن: لا تقف  على الدور أمام السورية للتجارة، ولا يمكن أن نمنع تجمهر المتقدمين إلى مسابقة وظيفية، ولا مجال لإقناع طالب جامعي بعدم المغامرة في ركوب حافلة مكدسة بالركاب بغية الوصول إلى جامعته، ومؤخراً، ولا نملك أداة لوقف توافد الناس إلى مراكز التبغ للحصول على علبتي سجائر بالسعر الحقيقي، ولا نملك حجة عقلية لثني مواطن عن الولوج إلى حشود الواقفين أمام مراكز البطاقة الالكترونية، وفوق كل شيء، لا يستطيع هذا المواطن دفع ثمن كمامة بشكل يومي، فالجيب ليس فيه ما يسد الرمق، والكمامة آخر أولوياتنا.

إذا، يستحيل التعويل على الوقاية الذاتية لكل فرد في المجتمع، وحتى إن أراد هذا الفرد تطبيق الوقاية الصارمة، سيجد نفسه مجبراً على الاختلاط مع الجموع الغفيرة بسبب التقصير الحكومي في إيجاد حلول حقيقية لهذه التجمعات الإلزامية، وهنا لا بد أن يستيقظ المعنيون لاجتراح الحلول، وتغيير آلية التعاطي مع توافد الناس إلى منافذ البيع والمعاملات، فلم يعد مقبولاً أن يبقى دور المسؤول قائماً على التشخيص، و(النق)، والشكوى للمواطن من قلة الحيلة، ومن لا يستطيع إيجاد حل لمشكلة ضمن اختصاصه لا يستحق الجلوس في موقع المسؤولية، وعليه مراجعة أفكاره، وتوسيع بيكار معرفته، ولن ننزعج منه إن اعتمد على تجارب الآخرين ومقترحات اليافعين.

مبدئياً، لا بد أن يوقف الفريق الحكومي مجالس العزاء، وصالات الأفراح، لأنهما أهم بيئتين للاحتكاك والتجمع، ولا ضير إن حوصرت المدن المصدرة للمرض، فما سبب إصابات في محافظة اللاذقية (مثلاً) كان مخالطة أناس قدموا من العاصمة أو ريفها، وخيار عزل المحافظات عن بعضها أهون الشرور، وأقلها ضرراً على الحركة الاقتصادية، مع تطبيق الاستثناءات الضرورية كما كانت الحالة قبل فك الحظر الأخير، وإلى أن يجد المعنيون حلولاً ناجعة، علينا أن نحاول مساعدة أنفسنا، واعتماد الخوف وسيلة للنجاة من العدوى.

غيث حسن

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار