اليوم العالمي لسرطان الأطفال .. بأجساد صغيرة وإرادة قوية .. علاجٌ بين رحلة الألم وفسحة الأمل

العدد: 9301

الأربعاء : 27-2-2019

أطفالٌ بعمر الزهور أرهقتهم رحلة العلاج الطويلة وعقاقيره الواخزة التي تنخر عميقاً في أجسادهم الغضة التي لطالما عشقت اللعب والمرح، وفتحت ذراعيها للحياة الواعدة، لا يختلف نوع الألم، ولا يفرق المرض بين جسد وآخر .. تشخيصٌ ثاقب لم يترك باباً للمواربة أو للتحايل على التسمية .. فنحن كأهل نعرف كيف نواسي أطفالنا الذين تصيبهم الحمى أو نزلات البرد مثلًا ، بإخبارهم أنهم سيكونون على ما يرام، لكن ماذا عن هؤلاء الذين حاولوا فقط تعريف المرض لأطفالهم؟. كيف يستطيع طفل فهم معنى كلمة – سرطان – أو أنه على وشك استقبال جرعة العلاج القادمة، أو أن كل هذا الألم والتعب المستمرهو علاج لشيءٍ ما؟ أو بمعنى أدق: كيف سيشرحون له ما سيمرُّ به مستقبلًا؟ لكن وعلى الرغم من ذلك يبقى هناك من يتحدّى المرض الخبيث وينتصر عليه، أطفالٌ عرفوا كيف يتمسكون بالأمل ويتحدّون السرطان ويخرجون من معركتهم معه منتصرين.. وهناك قصص لأطفال عاشوا التجربة وقهروا المرض تؤكد أن الحيوية والاندفاع الذي يتمتع به الطفل وحبّه للحياة عوامل تبدو وكأنها أقوى الأسلحة في مواجهة هذا المرض فتساعده على التغلّب عليه ومتابعة حياته متسلحاً بابتسامته الجميلة وبأحلامه الكبيرة التي جعلته أقوى في مواجهة أي صعاب يمكن أن يواجهها في حياته المستقبلية.

 

الطفل رامي صيوان – 9 سنوات – أصيب بالسرطان وهو في السادسة من عمره لكن المرض وقف عاجزاً أمام طفولته المفعمة بالحيوية التي لم تتأثر بلحظات الألم التي مرَّ بها فخاض المعركة بكل شجاعة … عن هذه المرحلة تحدثت والدته التي وجدت صعوبة في استعادة تلك اللحظات الأليمة التي مروا بها فقالت: كنت أرى أطفالاً آخرين في حالة أصعب، صرت أقول لنفسي: إن حالة ابني تبقى أكثر سهولة وأنه سيقهر المرض ويتخطى هذه المحنة. مما لا شك فيه أن البداية كانت الأصعب إلى أن تقبّلنا الواقع وتأقلمنا معه ورأينا كيف كان متجاوباً. فمنذ اليوم الأول تقبّل الفكرة وكان يُعالج في قسم سرطان الأطفال وأصبحت له صداقات فيه وهو أصلاً طفل اجتماعي . دهشنا بإيجابيته متخطياً صعوبة المرحلة الأولى حيث مكث للعلاج مدة شهر، لكنه كان شجاعاً وتحمّل كل ما خضع له من علاجات وفحوص بلا تذمر. فليت كل من يعيش تجربة من هذا النوع يتحلّى بهذا القدر من الشجاعة والحيوية في مواجهة المرض ليقهره بكل سهولة.
لكن رد فعل الطفلة – كندا ياسمين – كان أكثر صعوبة لأنها لم تتقبل الواقع في مرحلة المرض الأولى وتتذكر والدتها هذه اللحظات الأليمة حيث قالت: بدأ المرض في الشهر السادس من عام 2018 وبدأت المتاهة من طبيب إلى آخر .. هكذا لمدة شهر حتى توصلنا إلى طبيب جراحة صدرية الذي شخص المرض وقام بعملية استئصال للكتلة الموجودة بالصدر ومن ثم متابعة الحالة في المشفى . إنها تجربة أليمة مع مرض لا نعلم عنه سوى الاسم .. ما هو؟ ما تبعياته؟ لنسميه المرض المجهول الذي لا بداية ولا نهاية له، لم نخبرها بداية لأننا لم نعلم ما نخبرها به فهي طفلة واعية وبسن المراهقة تقريباً وهذا ما سبب لها مرضاً نفسياً فوق المرض الجسدي، انقلبت الحياة كلياً مادياً ومعنوياً على كافة الصعد . لم تعد كندا تستطيع الذهاب إلى المدرسة حتى أوقات الجرعات كانت مكللة بالبكاء المستمر وعدم الكلام وفقدان للشهية وبعد تساقط شعرها رفضت نزع الوشاح عن رأسها ، لكن نقطة التقبل والتحول بدأت عندما جاءت الناشطة الإعلامية إفرورا عيسى وقامت بقص شعرها تضامناً مع كندا وأخرجتها بعدة نزهات وساعدتها معنوياً كثيراً فبدأت تخرج من حالة الانطواء وتعرفت على عدة أصدقاء يشتركون بالآلام نفسها. هنا الأطباء والممرضات يتعاونون معنا لأبعد درجة وحتى بعض الفرق التطوعية ساهمت وساعدت بشتى الطرق المادية والمعنوية . أتمنى اهتماماً أكبر بالقسم وتوسيعه لأن عدد الأطفال لا يتناسب مع طاقة استيعابه التي تصل لمرحلة وضع ثلاثة أطفال بغرفة واحدة .وتأمين الأدوية لأنها غير متوافرة ونشتريها من الصيدليات بأسعار عالية جداً ، إضافة لذلك نتمنى إعطاء الأولوية للأطفال المصابين لإجراء الصور والتحاليل فأحياناً يسجلون دورنا بعد أسبوعين بينما يتوجب علينا إجراء التحليل بنفس اليوم فنضطر للتوجه إلى مخبر خاص.

أما كندا – 13 – سنة قالت: في البداية لم يخبرني أهلي بأني مريضة سمعتهم ورأيتهم يبكون كثيراً .. لم أعرف ما هو المرض؟ ولماذا أصبح الحزن يخّيم على منزلنا؟ وتوالت الأيام وانقطعت عن مدرستي وأصبحت أمضي أغلب الوقت في المشفى .. أدويتي كثيرة وكذلك عدد الإبر التي تخترق الشرايين وتؤلمني .. عانيت كثيراً لكني حالياً بدأت أختلط بالناس وأتكلم معهم وصار عندي أصدقاء تجمعني بهم آلام وآمال بالتغلب على المرض والشفاء منه .
وعن الطفلة نايا الزامت – الصف الرابع – قالت والدتها يسرى سليمان: نايا آخر العنقود ومحط اهتمام جميع العائلة .. فجأة تألمت من بطنها وعند مراجعة عدة أطباء طلب أحدهم منا التحاليل والصور فتبين وجود كتلة على الكلية وعندها خضعت لعملية لاستئصالها واستمر الأمر على حاله لمدة سنة كاملة وهي تتناول الأدوية الوقائية واستقر المرض بنسبة ضئيلة وخلالها تابعت حياتها بشكل طبيعي لأنها موجودة في وسط داعم مليء بالطاقة الإيجابية من أجل تحفيزها للتغلب على المرض . وفي نفس الوقت كانت المدرسة متعاونة جداً من خلال إرسال معلمة لتدرسها بالمنزل وأثناء فترة الامتحانات أجروا لها الاختبارات جميعها وتجاوزت الفصل الأول بنتيجة 100/100. وحتى أصدقاء نايا في المدرسة لم يشعروها بالاختلاف في معاملتهم لها . وكذلك الأمر على صعيد المشفى هناك تعاون ورعاية لها لكننا نعاني من غلاء الجرعات وعدم توافرها بالمشفى بشكل دائم وكذلك التحاليل والصور كلها خارجية بمراكز خاصة لأن المشفى تتبع نظام الدور بالإضافة إلى بعض النقص في الخدمات كالنظافة والتدفئة وغيرها.. نايا لاتحب الإقامة في المشفى وتتغير نفسيتها عند دخولها وتتعجل العودة إلى المنزل بسرعة لكن صداقتها مؤخراً مع كندا باتت تخفف عنها الوضع شيئاً فشيئاً.
المتطوعة في فريق – في أمل – رولان رضوان والتي شاركت في بعض النشاطات الترفيهية للأطفال داخل المشفى قالت : كانت النشاطات تتضمن القيام بأعمال فنية كالرسم والموسيقا والألعاب وقراءة القصص المسلية بهدف ألا يشعر الطفل بالملل ويتقبل عملية العلاج والإقامة بالمشفى إضافة إلى تخفيف التوتر عنه ليتقبل العلاج بشكل أفضل . فالبيئة التي يعيش فيها الطفل تلعب دوراً كبيراً في شفائه إذا دعمته وتعاونت معه . وطالبت رولان بنشر الوعي المجتمعي حول كيفية التعامل مع المرضى من الأطفال بوجه خاص، باعتبارهم الأكثر تأثراً بصدمة المرض نظراً لرغبتهم في ممارسة حياتهم بشكل طبيعي بعيداً عن الأدوية والحجز في المشافي لفترات طويلة من أجل العلاج.
بقي للقول: أمام آلامكم تسكت الكلمات وتتلعثم الحروف .. تقف عاجزة عن تقديم عبارات تخفف عنكم هذه اللحظات الأليمة وأنتم تجابهون بأجسادكم الغضة متعدٍ خبيث على نفوسكم الصافية.. تطول الحكايات عمّن خاضوا التجارب.. براعم صغيرة استطاعت قهره، وآخرون مازالوا في مراحل علاجهم الطويلة يتحملون الألم ويملؤهم الأمل في الشفاء والانتصار على هذه المحنة التي – وإن استطاعت أن تنال من أجسادهم الرقيقة – إلا أننا نأمل ألا تنال من عزيمتهم وإرادتهم وتمسكهم بالحياة لقهر هذه المحنة وتخطيها بكل شجاعة .. مع تمنياتنا بالشفاء العاجل لجميع هؤلاء الأبطال الصغار.

فدوى مقوص

تصفح المزيد..
آخر الأخبار