زراعة ورق العنب الفرنسي مجهولة المصير مع ارتفاع تكاليف الإنتاج وتوقف التصدير

الوحدة 2-7-2020

 

 بدأت زراعة ورق العنب الفرنسي على نطاق ضيق في قرية المختارية مع نهاية التسعينات, لتتسع مع موجة الصقيع التي ضربت أشجار الحمضيات في عام 2004, لتنتشر بشكل تصاعدي سنوياً وتشهد قفزات متتالية بعد عام2013 … ما تم تداوله وتنقله من معلومات عن المردود الاقتصادي لزراعة هذا النوع من الأشجار وأرباح بالملايين ساهم في تجاوز عدد الغراس المزروعة على امتداد  المحافظة الملايين بأعمار مختلفة تبعاً لسنة الزراعة.

مع ارتفاع تكاليف الزراعة, بين السماد وأجور النقل والمبيدات إضافة إلى أجور عمال القطاف والتوضيب, وزيادة العرض على حساب الطلب, وتوقف التصدير, تذكرّ المزارعون مصير تسويق الحمضيات, ليتساءلوا:  هل مصير هذه الزراعة مجهولة مستقبلاً؟ هل سيستمرون  بالعناية بشجرة تكلفة إنتاجها مرتفعة جداً قياساً بالحمضيات, أم يقلعونها من جذورها مع تدهور الأسعار للانتقال إلى زراعة بدائل؟

 كل شيء بالأمل إلاّ الزراعة بالعمل, لماذا تترك الحكومة المزارع في مهب الريح.

زراعة ورق العنب … إلى أين؟

 المهندس الزراعي بسام حداد  يعمل بالوحدة الإرشادية بالسامية, له تجربة مع زراعة ورق العنب الفرنسي مع إجماع المزارعين على ما يتمتع  به من ثقة وخبرة ومصداقية ومساعدة لكل من يطلب استشارة رافقت المهندس حداد في جولة إلى موقع بقرية المختارية لمناقشة مشاكل زراعية لمزارعي ورق العنب.

بعد الجولة قال: قرية المختارية هي أول من أنتج ورق العنب الفرنسي من أصول الكرمة بنهاية التسعينيات ببداية تسويق كمية قليلة من ورق العنب غير المثمر عادلت بسعرها ثمن (نقلة ليمون) لاحقاً لاقت رواجاً  بالسوق, في عام 2004 انتشرت زراعته بالُعقل في قرية المختارية بالمناطق التي تعرضت للصقيع الذي أخرج أشجار الحمضيات من الخدمة فكانت زراعته بديلاً للحمضيات وناجح زراعياً وتسويقاً ومقاوم للصقيع, وفي عام 2010 مع انخفاض أسعار الحمضيات ومعاومة الزيتون بلا مردود اقتصادي من الأراضي الزراعية سوى من ورق العنب الفرنسي كبديل ومصدر زراعي وحيد مع أسعار مرتفعة, تم إحداث مشاتل لإنتاج الغراس في قرية المختارية لتنتج آلاف الغراس ثم امتدّ بالمحافظة, ومن المحافظة إلى خارجها في دمشق وغيرها من المحافظات.

وبعام 2012 شهدت زراعته قفزات وانتشار بشكل كبير، بالعودة إلى أسباب انتشاره؟ قال م. حداد هناك أسباب متعددة: منها الصقيع ليكون ورق العنب الفرنسي بديلاً للحمضيات مع انخفاض سعر الحمضيات معاومة الزيتون, إضافة إلى أنه مصدر دخل سريع بدورة إنتاج سريعة الإنتاج بعام الزراعة نفسه أو بالعام الثاني, وارتفاع الطلب عليه مع المبالغة بانتشار الشائعات عن مردودية اقتصادية عالية وأسعار مرتفعة والترويج من أصحاب المشاتل وإنتاجه صيفاً.

 ورداً على سؤال حول حمى انتشار زراعته بالعدوى, أجاب: الحمى المبررة لأن الناس بحاجة إلى مصدر دخل مادي بسبب سوء الأحوال الاقتصادية والبحث عن مصدر دخل, لكنه توقف عند غياب التخطيط الاستراتيجي عند المزارع, مذّكراً بانتشار زراعة الحمضيات دون التمييز بين الأراضي المناسبة أو غير المناسبة والوصول إلى مرحلة العرض أكبر من الطلب بكثير دون تصدير مع قلق من تكرار تجربة الحمضيات مع زراعة ورق العنب الفرنسي والوصول إلى قلعها لاحقاً مع انتشاره وتدهور أسعاره وارتفاع  تكلفة الإنتاج لتظهر مشكلة التسويق ولازالت زراعاتنا عشوائية, واستدرك موضحاً: كي لا ندخل نفق تسويق الحمضيات  ندق ناقوس الخطر حول مستقبل تسويق ورق العنب الفرنسي, طالما بدأت زراعته بفكرة بسيطة وتلقائية بالإمكان البدء بتنوع زراعة أنواع منها (التوت, التين, توت العليق, الزعرور, السماق, الجوز) زراعات منسية وذلك تبعاً لنوع التربة والجغرافيا،

علماً أن ورق العنب الفرنسي نبات يحتاج إلى عناية فائقة واهتمام ومتابعة على مدار العام, وبالشتاء تقليم وسماد عضوي, وإنشاء العرائش, ومكافحة الأعشاب, ليبدأ بالربيع في شهر نيسان بالإنتاج, وفي الصيف يحتاج للري والتسميد مع التأكيد على ترشيد استخدام المبيدات إلاّ للضرورة القصوى, والبحث عن بدائل طبيعية, وهذه الشجرة نادراً ما تصاب بالحشرات والأمراض الفطرية وزراعتها في بيئة الساحل مناسبة لإنتاجها بنوعية ورق أقل خشونة من الداخل وأفضل من باقي المحافظات.

 ولفت إلى أن انتشار زراعته ساهم بتشغيل يد عاملة وفرص عمل بالقطاف والتوضيب والنقل، وتنشيط حركة السوق والتجارة، وبما أن مشكلتنا بارتفاع العرض وانخفاض الطلب بغياب التصدير فإن مشكلة التسويق بحاجة لتدخل الجهات المعنية للحل مع دخول الصناعات الغذائية، مع ارتفاع التكاليف وغياب التصدير الواقع من سيئ إلى أسوأ.

 باسم درويش مع إخوته زرعوا ورق العنب الفرنسي بعام 2011 بعدد أشجار (6000) شجرة بمساحة (30) دونماً وهم من العائلات التي لديها إنتاج وفير تبعاً للمساحة مع جودة النوعية قال باسم: بالبداية كانت المواسم جيدة بمردودها  الاقتصادي وكان الربح ممتازاً قياساً بالتكاليف, لكن منذ  شهر آب في عام 2019, صارت التكلفة تقارب الدخل بسبب هبوط الأسعار الحاد وارتفاع تكاليف الإنتاج.

مع بداية هذا الموسم قرر باسم القيام بالتسويق الذاتي لإنتاجهم بعد ما شعر بالغبن والظلم من المسوّقين والتجار الوسطاء بالأسعار وكسر حلقة الوساطة بنقل إنتاجه إلى سوق الفواكه (الزبلطاني) في دمشق, بعد قطافه وفرزه وتوضيبه ظهر لديه فارق الربح الصافي بعد ما اعتمد التسويق الذاتي وهذا يساهم بتخفيف ضغط العرض ولصالح المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة لرفع الأسعار رغم إحداث مشغل للتسويق الذاتي يحتاج إلى رأس مال لمنع احتكار الوسطاء.

يومياً يسوّق ( 1500) كغ من ورق العنب, بتكلفة (400) ألف أجور عمال قطاف وتوضيب وثمن شرحات بلاستيك ونقل بالسيارات وإذا فصلنا بالتكلفة للطن الواحد يحتاج إلى 400 شرحة بلاستيك بسعر 450 ليرة للشرحة الواحدة بمجموع /180/ ألف ليرة سورية, وأجور 40 عامل للقطاف (140000) وعمال توضيب مع نقلهم 130000 ليرة عامل القطاف يحصل على 100 ليرة لكل كغ, وعامل التوضيب 125 ليرة للكغ الواحد ونقل المحصول بعد انتهاء العمل لشحنه، تصل التكلفة إلى /460/ ألف ليرة فإذا بيع كغ الواحد 750 ليرة، يصل سعر الطن إلى 750000, نحذف التكلفة السابقة لتصل إلى 290 ألف ونعود لحساب تكلفة خدمة وإنتاج الورق مع ارتفاع أسعار الأسمدة كيس سماد متوازن مستورد إيطالي أو بلجيكي سعره 120000, وكيلو حديد مخلّب إيطالي 35000 ليرة مع رش مبيدات, ومن دون العناية وهذه المواد لن نحصل على انتاج وفير وجودة عالية… بذلك قاربت التكلفة المردود المادي لكن قبل وضعه بالسيارة للشحن إلى دمشق يتم تغطيسه بالماء ليحافظ على جودته مع زيادة طفيفة بالوزن, لا يتم نقله بالبرادات.

وأكد أن وضع زراعة هذا العام محزن، مع توقف التصدير وغلاء الأسمدة إضافة إلى عدم توفرها, وبالنسبة للسماد المدعوم للدولة /46/ غير متوفر أو كافٍ لحاجة المزارعين.

يرفض باسم قلع الأشجار السليمة إن كانت حمضيات أو فواكه لزراعة ورق العنب, بالنسبة لهم قاموا بقطع الأشجار التي تعرضت للصقيع للاستفادة من جذعها, لتمديد شبكة العريشة مع الإبقاء على الأشجار السليمة وطالب بدعم المزارع لتأمين الأسمدة بالاستيراد من قبل الدولة لضمان النوعية, وعدم الغش والتلاعب بأنواع السماد, وفتح باب التصدير وإلاّ فالوضع من سيء إلى أسوأ, وإحداث معامل للصناعات الغذائية, واستنكر تجاهل الجهات المعنية لدعم هذا المنتج رغم ما يحققه من ربط المزارع بأرضه, وتشغيل فرص عمل تعود بالفائدة على المجتمع, مع الإشارة إلى أن قرية المختارية يدخلها يومياً عمال قطاف وتوضيب أكثر من عدد سكانها مع إنتاج مئات الأطنان على مدار شهور من نهاية نيسان إلى تشرين الأول مع وجود 12 مركز توضيب, ويتم توزيع كميات (دوكما) لعائلات تعمل من بيوتها في التوضيب قد يصل دخل العائلة الكبيرة بيوم واحد (13000) ليرة.

لا أرى عملاً أشرف من العمل بالزراعة

المزارع النشيط والمميز مهند ديب من قرية سطامو قرر بعام 2019 دخول مجال زراعة ورق العنب الفرنسي بتشجيع من أصدقائه زرع (100) غرسة بمساحة (6) دونمات وقام بتنبيتها بنفسه, اكتسب خبرة لإنجاح مشروعه بالعناية الفائقة والمتابعة اليومية بالاهتمام به وينافس للوصول إلى المركز الأول بالإنتاج من حيث النوعية والجودة مؤكداً أن العمل بالزراعة أشرف أنواع العمل وما تعطيه للشجرة من عناية واهتمام وخدمة سيرتد عليك بإنتاج وفير وبجودة عالية، لكن الاستمرار دون دعم الحكومة للمزارعين والزراعة ومتابعة موضوع فتح أسواق للتصدير سيؤدي إلى تدهور الزراعة مع تدهور الأسعار وخسارة المزارع لشقاء عمره مع ارتفاع التكاليف التصاعدي، وطالب بعدم تأخر ضخ المياه من السدود بشبكات الري لنجاح الزراعة.

أول المسوقين لورق العنب الفرنسي يشجع على استمرار العناية به

يقع مشغل (مركز) محمد علي العازة في قرية الخلالة, تاجر شامي وسيط يعمل بتسويق كل أنواع الخضار والفواكه والحمضيات منذ 28 عاماً, وكان أول من سوّق ورق العنب الفرنسي ببدايته إلى دمشق, يستقبل مركزه المنتج (دوكما) يقوم بتوزيعه على نحو (250) عائلة لتوضيبه بأجرة (100) ليرة سورية للكيلو غرام الواحد وكل فرد ممكن يشتغل (30) كغ والنتيجة 3000 ليرة سورية للفرد وكل الأعمار بإمكانها العمل به في المنزل.

هناك عائلات تنتظر موسم ورق العنب لتحقيق دخل مادي وبالنسبة للمزارعين.

أشار إلى أن المردود المادي بالبدايات كان ممتازاً لأن زراعة الشجرة كان محصوراً بين الأقارب والأصدقاء بمحيط ضيق وهناك قطعة أرض بمساحة (800) م تم ضمانها بـ(4,5) مليون ليرة لأن شجرها قديم وتنتج كل شجرة (50) كغ، وأكد أن هناك عائلات من المزارعين الأوائل حققت دخلاً مادياً جيداً منها, واشتروا منازل وسيارات وتحسنت أوضاعهم المالية لكن مع انتشارها ارتفع العرض فانخفضت الأسعار إلا أن المنتج الذي يتمتع بالجودة والعناية والاهتمام به بشكل ممتاز, دائماً يجد له سوق تصريف بأسعار جيدة ولفت إلى أن الأسعار كانت جيدة وبقيت معقولة حتى منتصف 2019بسبب التصدير إلى لبنان والعراق والأردن بالبرادات وخصوصاً إلى لبنان, ورداً على سؤال حول استخدامه للتصدير, قال: سمعت أنهم يستخدمونه في معامل لصناعة مواد تجميل ومعسّل الأركيلة, ولاستهلاك المائدة, إضافة إلى تعليبه (يالنجي) وتخليله لكن غير متأكد من ذلك.

وتوجد في سورية معامل تعليب (يالنجي) وتخليل, لكن يطلب أصحاب المعامل ورق بمواصفات محددة تحتاج للفرز, وأضاف ما يحكم الأسعار هو نوعية وجودة الورق مع فرزه, مع العرض والطلب, ومن يصدّر إلى لبنان بأسعار أعلى لأن التعامل بالدولار مع غياب عامل أمان بالتصدير بين فتح وإغلاق معبر القصدير.

بعد عام 2015 ارتفع عدد وسطاء التسويق, وانتشرت مراكز التوضيب في مواقع الإنتاج بالمحافظة ولم تعد تقتصر على قرية المختارية التي لا تزال تحتل المركز الأول بالإنتاج, أمامي بالمركز أنواع ممتازة, سألته عن سعرها وهل تحول إلى استقبال الأنواع الجيدة فقط؟ قال: بعد خبرة سنوات من التسويق أنا انتقائي باختيار الأنواع الجيدة, وأعرف معظم المزارعين بعلاقات إنسانية وتجارية، السعر اليوم 550 ليرة سورية لكن أمامك 100كغ بسعر 1100 للكغ الواحد من مزارع واحد ومع إيماني بأن التجارة ربح وخسارة, أنا لم أتوقف يوماً عن العمل بتسويق ورق العنب والخضار والفواكه ومراقبة السوق والتواصل مع تجار دمشق, وبعض المزارعين يتحملون معي جزء من الخسارة مع ارتفاع تكاليف التسويق بين أجور عمال توضيب, وارتفاع أسعار شرحات البلاستيك وأجور النقل مع تغير الأسعار وعدم ثباتها وتساءل مع انخفاض الأسعار منذ منتصف العام الماضي ما هو البديل عن زراعة ورق العنب الفرنسي مهما كان هامش الربح ضعيفاً للمزارع؟ خصوصاً وهذا العام ضربت موجة الحر أزهار الحمضيات والزيتون.

هل سيدخل التأمين الزراعي؟

أجمع كل من التقيتهم من المزارعين بقرية المختارية على أن المهندس الزراعي عمار السيد صاحب صيدلية زراعية في قرية جبريون, هو الأكثر ثقة وخبرة بالتعامل معهم وبضمير حي, تحدث عن ارتفاع أسعار الأسمدة المستوردة لتصل كلفة الكيلو غرام الواحد من ورق العنب (400) ليرة سورية إذا اشتغل المزارع بشكل احترافي ونظامي باستخدام السماد. وطرح بدائل لتخفيف التكلفة ومنها: خلطات سماد من أربعة أنواع تعطي نتيجة للحفاظ على إنتاج الشجرة بالحدود الدنيا. وأكد تراجع الطلب من المزارعين على السماد منذ منتصف 2019 بسبب ارتفاع الأسعار التصاعدي.

وتساءل: لماذا لا يدخل التأمين الزراعي أسوة بالتأمين على السيارات, ليدفع المزارع نسبة تحقق له الأمان؟

وداد إبراهيم

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار